شبكة أخبار الجنوب - مقهى عدني في صنعاء

الإثنين, 26-أبريل-2010
شبكة اخبار الجنوب - الجمهورية - بديع سلطان -
يتمسك الإنسان اليمني كثيراً بتفاصيل حياته اليومية ، مهما ابتعد عن أصل منبته ومسقط رأسه الذي صبغه بطابع فريد أسهم في تميز تلك التفاصيل الممتعة .. غير أن هذا التمسك لا يعني عدم قدرة الإنسان اليمني – أياً كانت وجهته – على الانفتاح أو إنه منغلق على ذاته ، بل على العكس تماماً ، فرغم تشبثه بتفاصيل ميزاته ، إلا إننا نراه يتأقلم مع محيطه الجديد ، ويلاقح بين ما يمتلكه وما يجذبه دون إفراط أو تفريط .
يكون ذلك حتمياً إذا كان المحيط الجديد المنتقل إليه اليمني قريباً جداً من هويته ، وله ارتباط وثيق بثقافته ، ولا يبدي ممانعة تجاه ما يتميز به ، خاصةً لو كانت تلك المميزات فيها من الخير الكثير الذي ربما يعود على كل المحيط الجديد .لا أقول ذلك جزافاً ، وما يثبت ما ذهبت إليه تلاقح الثقافة اليمنية مع غيرها من الثقافات المجاورة في شرق إفريقيا مثلاً ، أو تلك الهويات البعيدة في شرق آسيا التي أثرت فيها الهوية اليمنية وصبغتها بصبغة إسلامية هي حتى الآن إعجاز مشاهد يحسب لليمنيين .
في كل مكان
ما دفعني للكتابة في هذا المجال ، هي ظاهرة تكاد تكون متأصلة في الإنسان اليمني وحده دون غيره من الشعوب ، ذلك أن اليمني لا يمكن له الذهاب إلى أي بقعة في أرض الله الواسعة إلا ويضع لمساته السحرية هناك .
فبحسب الذين سافروا (...) أن مطاعم العصيد والسلتة الصنعاني والزربيان العدني تفرض منافسةً قوية في حواضر العالم العربي كدبي وبيروت والقاهرة والرياض ، وغدت مكاناً يرتاده أهالي تلك البقاع قبل اليمنيين المغتربين أنفسهم ، هذا إذا سلمنا أن الأكلات والأطباق الشعبية تعتبر من صلب الموروث الثقافي والهوية الشعبية لأي شعب .  
كأنك هناك
ذات الأمر ينطبق على الداخل اليمني ، ففي قلب العاصمة صنعاء تربض المقاهي الشعبية العدنية ، بتفاصيل كريتر والشيخ عثمان والتواهي ، فبمجرد ولوجك إلى قلب المقاهي تستشعر أنك قد انتقلت بجسدك وأحاسيسك إلى هناك ، ولا ينقص هذه الأجواء العدنية سوى رائحة شواطئ البريقة وأصوات أمواجها الهادرة .   
في قلب ميدان التحرير بصنعاء تقع ( حافة العدانية ) ، يمكنك أن تقضي أوقات ما بعد العصرية مع الشاي العدني ذي البهارات الزكية ، ووجبات ( الخمير ) الصباحية ، وخبز الطاوة ( الحامي ) في وجبة العشاء .
ليس ذلك كل ما يذكرك بالثغر الباسم عدن ، بل يمكنك هناك أن تلتقي بشخوص كان لك معهم ذكريات الطفولة التي لن تعود إلا بمثل هكذا جلسات ، أو زملاء الدراسة في أيامها الخوالي ، لتجتر حينها التفاصيل الجميلة ، وبكل قواك تستنهضها من أعماق الذاكرة لتكون حاضرةً معك في جلساتك تلك .
حوَت كل فن
صنعاء حوت كل فن ، لم أكن لأسلم بهذه الحقيقة لولا يقيني بأن لقاء الصحبة القديمة ، واجترار الذكريات العتيقة هو بالفعل ضرب من ضروب الفنون ، كما أن صنعاء باحتوائها لمثل هذه الأماكن التي تعطي للخصوصية فسحة لتعبر عن ذاتها في إطار عام ، لهو أصل الفن الذي امتدحت به عاصمتنا منذ قرون ، بالإضافة إلى أن حلاوة المقام في حاضرة بلادنا لا ينفي عن الذين ارتضوها مقراً لحياتهم تفاصيلهم القديمة التي تربطهم بمدنهم وقراهم ، بل تزيدهم تعلقاً بها إذ تتيح لهم مثل ( حافة العدانية ) مجالاً لعدم نسيان يومياتهم الغالية .
نقطة تجمع
أصدقاؤك وخلانك وندماؤك ، والقائمؤن بشئون الحفاظ على ذكرياتك قد تجدهم هناك ، بل حتماً ستجدهم ، لأن ذلك المكان خيل إلي وكأنه نقطة التقاء للجميع ، حتى لو أن عدنياً غريباً على العاصمة تاه وسط شوارعها المزدحمة وضواحيها المتناثرة ما كان ليجد صعوبة في الوصول إلى ( حافة العدانية ) ، وهناك حتماً سيجد ضالته التي ضل عنها من أصدقاء ورفقاء .
انجذاب وتداخل
جميع المنتمين لأصقاع الأرض اليمنية المباركة تجدهم يفضلون الجلوس على مقاهي ( حافة العدانية ) ، وتبادل أطراف الحديث مع الشباب العدني ، والتعرف إليهم ، وعقد صداقات واسعة توثق عرى الوحدة الوطنية وتعرف بعض اليمنيين ببعضهم .
ربما ذلك التفضيل نابع من انجذاب للشاي العدني ، خاصة وقت العصر من كل يوم ، أو ربما في انتظار الخبز الطاوة المفضل للكثيرين ، أو حتى لمجرد الاستماع للهجة العدنية الطاغية على سلطة المكان ، أو لخداع النفس أنها قد زارت عدن ! حتى ولو كانت فقط مجرد حارة من حواريها .
والشيء الرائع في هذا الأمر أن وجود خصوصية لمنطقة ما في إطار عام يتباين معه إلى حد ما ، يغري الطرف الآخر في اكتشاف المزيد عن تلك الخصوصية عن كثب ، لدرجة التداخل في ثنايا التفاصيل الخاصة المشار إليها.
ديمومة البقاء
إنها إذاً طبيعة اليمني المحب للتنوع والتنقل والسفر ، مع الاحتفاظ بالخصوصية ، وقد يكون حب التغيير متواجداً لكنه تغيير نحو الأفضل ، تغيير واع ، يعطي للهوية اليمنية والخصوصية الثقافية ، والتفاصيل الشعبية الدقيقة ديمومة البقاء حتى لو تغيرت وجهة العمل أو الدراسة أو الحاجة . 
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 19-مايو-2024 الساعة: 02:00 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.alganob.net/g/showdetails.asp?id=2921