أما وقد دخل غرة ذي الحجة الحرام الذي بدخوله تكون عشر ذي الحجة قد حلَّت بديارنا أفضل أيام الدنيا التي أقسم الله عز وجل بها في مفتتح سورة الفجر " والفجر وليال عشر " وحثَّ الله على ذكره فيها " ويذكروا اسم الله في أيام معلومات " هي عشر ذي الحجة .

أيامٌ مباركة تتوجه فيها القلوب والأبصار نحو بيت الله الحرام حيث قوافل الحجاج من ضيوف الرحمن تتوجه صوب مكة لأداء فريضة الحج فرضاً ونفلاً وإجارة .

أيامٌ فيها من وفد على الله فوصل مكة ومن لا زال مسافراً في طريقه , ومن يتأهب للرحيل براً وبحراً وجواً .

أيامٌ تستقبل فيها مكة الملايين من ضيوف الله , منهم من يحج مُفرداً ومنهم القارن والمتمتع .

الحج عبادة تختص بالبيت الحرام تبدأ بالإحرام وتنتهي برمي الجمار .

شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام لها مكانة عظيمة في قلوب المسلمين إذ تُعد أحد أركان الإسلام الخمسة .

إنها الشعيرة التي تُشعر المسلمين بقوتهم وتوحدهم تحت راية واحدة وهدف واحد وتعبئة جهادية تحافظ على معنويات الأمة وتماسكها وتحفظ ثباتها في مواجهة أعدائها .

هذا هو الحج الحقيقي الذي يلتقي فيه المسلمون من كل مكان , لا مذهبية ولا حزبية ولا عصبية ولا خصومات فكرية ولا سياسية ولا تمييزاً عنصرياً ولا أشكال ولا ألوان , هناك كل شيء يذوب .

الحج مؤتمر سنوي عظيم يلتقي فيه المسلمون من كل الأقطار , تتآلف فيه القلوب وتذوب الفوارق والخلافات وتتقارب النفوس وتُمتَّن العلاقات لهدفٍ واحدٍ وغايةٍ واحدةٍ هي وحدة المسلمين التي تتجلى في ذلك الموقف الرباني .

لذا كان لزاماً علينا اليوم أن نقف وقفات عشر لوصايا عشر لا بدَّ أن يَعِيَهَا الحاج الذي يريد حجاً مقبولاً وسعياً مشكوراً :

أولاً : لا بُدَّ أن يكون المال الذي ستحج به حلالاً خالياً من أي شبهة , وما لم يكن كذلك فلا تتعب نفسك .

ثانياً : إستغفر الله من سيئ أعمالك وتب إليه توبة نصوحاً من الذنوب التي اقترفتها توبة يعلم صدقها الله لأنك ستكون في تجارة مع الله فإما رابحٌ ونسأل الله لك ذلك وإما خاسر وذلك ما لا نتمناه لك ونسأل الله وقايتك منه .

ثالثاً : طهِّر قلبك ونظِّف باطنك من الأمراض والشوائب , سامح من أساء إليك كي تكون كريماً , وتسامح ممن أسأت له وآذيته واعتديت على حقه , ورد الحقوق والمظالم فقد لا تعود .

رابعاً : خذ دروساً في الحج عند أحد المشائخ لتعرف ما لك وما عليك وتحترز من المحظورات التي هي الأهم , أو رافق عالماً أو متعلماً أو ممن سبق له الحج فلهم خبرة في ذلك .

خامساً : تعلَّم الصبر والحلم والأناة فلا تسب ولا تجرح , تحمَّل قسوة الآخرين , ستلقى أعتالاً جهلة من أفريقيا تحمَّل غلظتهم وخشونتهم , وستلقى المساكين فترفق بهم وأعنهم واقض حوائجهم , ساعد محتاجهم وتحنن بضعيفهم .

سادساً : إستغل أوقاتك هناك لا تُفَرِّط فيها , عليك بالجماعات والفروض فالفريضة هناك بمآئة ألف فريضة فيما سواه , وعليك بقراءة القرآن , النوافل , الأوراد والأذاكار , التضرع ومناجاة الله , إعمل ما استطعت من العُمَرِ , تصدَّق , إصنع المعروف , " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " .

ليِّن قلبك وتذكر دوماً في حضرة من أنت , إخشع وابك فإن المسلمين الأجانب حديثي العهد بالإسلام يبكون بكاءً تخرُّ له الجبال هدَّاً بينما العرب الذين تشرَّبوا الإسلام ألفاً وأربعمآئة عام قلوبهم كالصخور وعيونهم جامدة ولا حول ولا قوة إلا بالله .

سابعاً : هناك لا ضحك ولا استخفاف ولا سخرية ولا غيبة ولا نميمة ولا سياسة , هناك قيِّد نفسك " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " لا تهتم بشهوة بطنك واهتم بغذاء وتربية وصقل روحك .

ثامناً : تخلَّ عن الدنيا هناك , أترك حاجة بيتك ومصروف أولادك ثم ما عليك والمشاكل , ما عليك والتجارة , ما عليك والمزرعة , ما عليك والقات , ما عليك والبيع والشراء والربح والخسارة " فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " .

تاسعاً : زُرِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبلاً أو بعداً وسلِّم عليه من جميع من حضر لوداعك ومجابرتك وممن استوصاك وسلِّم عليه من والديك وأهلك .

عاشراً : أدع الله عز وجل هناك في مواطن الإجابة وأماكن الإستجابة أن يتلطف باليمن وبأهل اليمن ويصرف عنا البلاء ويكشف الكرب ويزيل الضيق والهَمَّ , لا تنسوا اليمن هناك فلليمن حقٌ عليكم يفوق حقكم .

أخيراً : يندب لمن كانت له أضحية ألَّا يحلق شعراً ولا يقلم ظفراً حتى يذبح أضحيته تضامناً مع الحجاج واستكمالاً للثواب .