يمن موبايل تنظم حفل استقبال وتوديع مجلس إدارتها    شركة يمن موبايل توزع عائدات حملة دوائي السادسة للأطفال المرضى بسرطان الدم    برعاية السلطة المحلية البورد العربي يدشن برنامج اعداد المدرب المعتمد في دمت   يمن موبايل تختتم فعاليات اسبوع اليتيم العربي بيوم ترفيهي لطلاب دار الايتام    وزارة الاتصالات تعمم بتطبيق قانون صندوق مكافحة السرطان   بطولة النصر الشتوية بدمت تواصل نألقها والريادة يحصد نتيجة اليوم التاسع للبطوله   مقاضاة مسئولة سابقة بتهمة التخابر مع صنعاء    شركة يمن موبايل تدشن الخطة الإستراتيجية 2019-2023م   لاعب منتخب الطاولة جبران يحرز بطولة البحرين الدولية للناشئين والأشبال    تعيين الاستاذة/ أم كلثوم الشامي مديرا تنفيذيا للمدرسة الديمقراطية   
الأربعاء, 03-نوفمبر-2010
شبكة أخبار الجنوب - الارهاب شبكة اخبار الجنوب - عبدالله الصنعاني - السياسية -

... الإرهاب ظاهرة تستلزم تضافر جهود كل أبناء الوطن من أجل التصدِّي لعناصرها المتطرفة التي انحرفت عن تعاليم الدِّين الحنيف والإجماع الوطني وظلت تمارس القتل لمجرد القتل وأضرت بمصالح الوطن والأمّة وأساءت إلى صورة الإسلام والمسلمين، وهي مسؤولية الجميع وبصورة مستمرة وبكل الوسائل المُتاحة من الإرشاد والتوجيه والتنوير والإصلاح وصولاً إلى تجفيف منابعهم الفكرية والمالية وتفكيك شبكاتهم الإرهابية ومُلاحقة عناصرهم في كل مناطق تواجدهم باعتبارها مهمّة كل اليمنيين وكل الوطنيين وليس فقط مهمّة رجال الأمن والقوات المسلّحة".
بتلك الكلمات، دعا فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في خطابه الذي وجّهه إلى أبناء الشعب اليمني في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 2010 الماضي، إلى الاصطفاف الوطني لتجفيف منابع الإرهاب.
وهنا تُثار عدّة تساؤلات: ما هي الاستراتيجية التي يمكن تبنّيها لترجمة التوجيهات بـ"اجتثاث منابع الإرهاب" ذلك إلى شيء ملموس؟ من هي الجهة المعنية باجتثاثه؟ وهل الحوار الوسيلة "الأنجع" للقضاء على الإرهاب؟ وهل -بالفعل- البطالة والفقر المسببان الرئيسيان لـ"الإرهاب"؟
"السياسية" تناولت في الحلقة الماضية مفهوم الإرهاب، ومن أين تبدأ عملية اجتثاثه.. ودور القبيلة في توفير الحماية للإرهاب، ودور الخطاب الدّيني في صناعة "الحزام الناسف"، والتعليم باعتباره الاستراتيجية الآمنة المجففة لمنابع التطرّف.
في الحلقة الثانية والأخيرة، سنتناول دور الحكومة والمعارضة تجفيف منابع التطرّف، والبُعد النفسي الذي يقف خلف التطرّف، ورؤية "خاصة" لمُعالجة التطرّف وتجفيف الإرهاب.


تقصير حكومي.. ومعارضة بلا وعي



لعلّ البون الشاسع بين أداء الحكومة وأداء المعارضة وربُما معاداة كل طرف للآخر، وحرص البعض في الطرفين على إظهار عيوب الآخر، يخلق "بيئة" مناسبة تستغلها عناصر التطرّف لتصطاد في "الماء العكر".



وفي هذا الصدد، يقول أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة الدكتور المهدي الحرازي إن ثمة تقصيرات حكومية ساعدت في ظهور الإرهاب منها: "غياب المرجعية المنظّمة من الدولة، والمقصود بها أن تكون ثمة مرجعة للتحاكم بين الدولة والشعب في أي موضوع، وتكون هذه المرجعية من العلماء الربانيين الذين يقومون بدورهم الحقيقي وينصحون الحاكم والمحكوم، فضلا عن عدم التعاطي اللائق مع بعض القضايا بسبب ضعف بعض المسؤولين والموظفين، فهم يتعاطون مع كثير من الأمور بشكل سيئ وغير علمي وغير عملي، فيترتب على ذلك وجود مظالم يستغلها هؤلاء الناس في إثارة المجتمع ضد الدولة؛ بأنها دولة فاسدة وظالمة، وبالتالي فإن المسؤولية هنا تقع على كاهل المتولين في الدولة بأن يقوموا بالتعاطي اللائق مع الناس ودفع المظالم عنهم، ولذلك وردت نصيحة على لسان الحُكماء تقول: "ولِّي على الناس من يرزع في قلوبهم حبك تأمن حقدهم".



معارضة بلا وعي



ويردف الدكتور الحرازي قائلا: "من الأسباب التي تؤدي إلى الإرهاب ما تقوم به بعض المعارضة من الإسراف في إظهار معايب الدولة، فهم -وإن كانوا كما يقولون لا يدعون إلى الإرهاب- يقدمون مادة خصبة وثرية للإرهابيين. كما أن كثيرا من المعارضات تغذِّي أفكاراً كالاعتقاد بعمالة الحُكام وخروجهم عن الدين، فتجد من السياسيين من يتكلّم ليكون أول ما يطلقه على الحاكم هو العمالة والخروج عن قوانين الدولة، وغيرها من الأمور الخطيرة. وهو هنا -وإن كان لا يشهر السلاح- يقدم مادة خصبة لأولئك الذين يدعون إلى محاربة الحكام وتكفيرهم، ويكون قد أسهم في ذلك الإرهاب. ساعد في ذلك عدم الوعي بالفكر السياسي الإسلامي، فهؤلاء لم يعرفوا أن ولي الأمر تجب طاعته؛ لأن به تحمى الدّماء والأموال والأعراض، وأنه لا يجوز الخروج عليه ليس لسواد عيونه ولكن حفظا للأمّة وكرامتها وحفظا للحقوق، ولذا أمر الله بطاعة ولي الأمر بعد طاعته وطاعة رسوله، فهم يظنون أن مجرد أي خطأ مبرر على الخروج عليهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قتالهم، وعن سبهم وشتمهم وأمر بنصيحتهم".



من جهته، يؤكد على هذا الموضوع وزير التربية والتعليم الأسبق عضو مجلس الشورى، الدكتور أحمد الأصبحي، حيث يقول: "المتحاورون والنخب الفكرية والسياسية عليها أن تحسم الأمور عاجلا وعدم التطويل، ويرمي كل بالاتهام على الآخر، وكأن الحوار هو الهدف بينما هو عامل يختزل الزمن لإرساء الأمن والسلام والاستقرار والمحبة وخلق ثقافة الأخوّة، عوضا عن ثقافة الكراهية التي تشكّل أحد الشقوق التي تنفذ منها الأعمال الإرهابية".



من جانبه، يقول الباحث السياسي الدكتور عادل الشجاع: "الأحزاب السياسية بما تعيشه من فراغ سياسي، وبما تدعو إليه من عنف لفظي من خلال الصحافة والندوات والخطابات، ساعدت في الوقت الراهن على وجود فراغ في الإطار السياسي، ممّا ساعد بعض الجماعات أن تنتهج العنف منهجا وسلوكا، وهذه الأحزاب لم تقف إلى جانب الأجهزة الأمنية وإلى جانب السلطة، لكي تحاول على الأقل أن توفّر الحماية الحقيقية  من الجماعات الإرهابية أو المتطرفة".


 


... أهم عامل محرك للإرهاب



يرى الكاتب والباحث عصام القيسي أن عدّة عوامل تصنع الإرهاب وتتفاوت أهميتها، ويرى أن العامل النفسي هو العامل الأهم، وكذلك العامل الثقافي والعامل الفكري كل هذه العوامل خطيرة وتعمل في اتجاه واحد، يقول القيسي: "العامل النفسي أهم العوامل لأن العنف لا ينشأ إلا عندما يكون هناك استعدادات نفسية له، ومن ثم فهم يبحثون عن شرعية أو غطاء له، وكما يقول كارلوس: "إن ثمة استعدادا للإرهاب يوجد لدى عدد من الناس لأسباب في التربية الاجتماعية، هذا الاستعداد يجد ظروفا مواتية فيخرج للعلن".



يتحدث في هذا الصدد أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعة صنعاء الدكتور صلاح الجماعي فيقول: "من الناحية النفسية، الشخص الذي يقوم بأعمال عدائية أو عنف أو إساءة قد يصل إلى مرحلة الانتحار في مقابل أن يحقق مكاسب، فنجد أنه ينفذها دون إدراك، ومن يقوم بالعمل الإرهابي كثيرا ما يكون لديه مطالب أو يعاني من غبن أو يشعر بظلم أو قد يكون سُلب حقا من حقوق الحياة، فليجأ إلى هذا الأسلوب، وواقع الحال يقول إن غالبية من يمارسون الإرهاب كسلوك وفعل مؤذٍ نجد أنهم من الفئات العُمرية الصغيرة أو المراهقين، فهذه الفئة قابلة للاستغواء والتغرير".



وأكد الدكتور الجماعي أهمية رعاية الشباب وامتصاص البطالة لأن من يعاني من عدم إشباع الحاجة هو لقمة سهلة وسائغة لمن يوجهه نحو الإرهاب، ولذلك على الدولة أن تلبِّي حاجات الناس، وإذا هي قامت بذلك فمن المؤكد أنه لن يكون بين الناس عميل أو خائن، ولن يكون هناك شخص يمكن أن يؤذي الآخرين، وهذه حقيقة فإذا ما أردنا إصلاح مجتمع علينا أولا أن نسلم بالإشباعات والاحتياجات وإعطاء الناس حقهم في الحياة وإيجاد نظام عادل ذي قوانين فعالة".


... رؤى استراتيجية لمعالجة الإرهاب



يُذكر الدكتور المهدي الحرازي عددا من المُعالجات فيقول: "تتطلب المعالجات في البداية معرفة مكامن الخطر فتدفع وتدرأ، ومعرفة مواقع الخلل فتُسد وتعالج، ومعرفة مواطن العلاج فتبذل وتعطى، ولذلك ينبغي إحياء دور العلماء الربانيين، بعد ذلك معرفة الشبهات قبل الكلام والجد في الرد عليها وقوة التأصيل. ويجب أن نركز هنا أيضا على الجانب العقلاني في الخطاب؛ لأن كثيرا من هؤلاء الناس لم يحكموا عقولهم وإنما أطلقوا عواطفهم فوقعوا فيما وقعوا فيه، بعد ذلك يجب التدارس مع الشباب المغرر بهم وتنبيههم إلى خطر الاستخدام لتحقيق غرض في بلد معيّن أو في مكان آخر، وبالتالي لا بُد من تنبيههم إلى خطر الاستخدام لعدم وجود قيادات واضحة أو علماء بارزين أو تأصيل شرعي أصيل؛ لأن الجنة لا تطلب بالقتل والنهب وإخافة الآمنين، ولا تطلب بالأخذ بالعاطفة والأخذ بظاهر آية دون الآيات الأخرى، وما يرافقها من تأصيل شرعي للخطاب القرآني في مجمله ومقصده".



ويؤكد: "نريد من الدولة أن تتنبه للأفكار الواردة إلى اليمن المدعومة بالمال والمحمية بالرجال المليئة بالأخطار والأهوال. فاليمن ينبغي أن يتنبه إلى ما يمكن أن يدخله من أموال لزرع بعض الأفكار، وهذا أمر خطير جدا؛ لأن من دفع ملك، كما ينبغي أن تسعى الدولة إلى إحياء روح مقاصد الشريعة الإسلامية ومعرفة الواقع وكيفية تنـزيل".



وأضاف "وبعد المتابعة الدقيقة والحذر الشديد والرصد الأمين وإيصال كل ذلك إلى صاحب القرار  يبقى الخيار العسكري هو الخيار المطروح، لكن ينبغي هنا أن تقع الدولة فيما يمكن أن يخالط هؤلاء من الآمنين والمدنيين العزل؛ لأن الدولة تمتلك من الإمكانيات والوسائل ما تستطيع أن تأخذهم دون أن يصاب أحد من المدنيين؛ لأن هؤلاء إذا لم يستجيبوا ولم يتعلموا ولم يعرفوا فقد أعطوا الدولة والشرع حقه في القضاء عليهم".


 


العلاج الأمني ... رأس الحربة في مكافحة الإرهاب



من جهته، يتحدث الباحث في الشؤون الاستراتيجية محمد سيف حيدر فيقول: "أعتقد بأن من الضرورة بمكان الفصل بين معالجتين: المعالجة الأمنية لظاهرة كـ"الإرهاب"، وبين المعالجة التي تتعلق بأدوات ثقافية وتربوية وسياسية، هذه الأدوات تكون من باب حزمة واحدة، وهذا الفصل لا يجب أن يكون فصلا من ناحية المُعالجة ولكن فصل من ناحية التدابير المتخذة في زمن أو في مكان محدد؛ بمعنى أن المُعالجة الأمنية -في تقديري- تظل رأس الحربة في مكافحة الإرهاب في اليمن أو في أي مكان آخر؛ بمعنى استباق العمليات الإرهابية والحد من نشاط الجماعات الراديكالية أو المتطرّفة أو التي تحمل السلاح، وسد الثغرات الموجودة في المنظومة الأمنية بشكل يمنع هذه الجماعات من استغلالها أو الدّخول إليها من أجل أن تحدث خرقا في المنظومة الأمنية أو في السلم الاجتماعي في هذا البلد".



واستدرك حيدر قائلا: "لكن في نفس الوقت يظل للمعالجة التربوية والثقافية أهميتها ودورها الفعّال، وذلك من خلال محاصرة كل أنواع الخطاب التي تدفع وتدعو إلى التطرّف. فأي منبر أو قناة أو فكر أو خطاب يؤدي إلى تأجيج المشاعر الدِّينية بشكل مغلوط أو غير منضبط يجب علينا أن نتعاضد فيه جميعا كدولة ومجتمع ومنظمات مجتمع مدني لدرء مثل هذه المخاطر".



وأضاف: "ويجب ألاّ نغفل عن الحيّز هنا بين العام والخاص؛ لأن كل تداعيات الإرهاب ومخلفاته من ضحايا وأضرار وخسائر مادية واقتصادية حتى معنوية تنعكس على جميع فئات المجتمع بشكل أو بآخر، وهذا ما نلمسه أيضا في النظرة التي ينظرها الآخرون إلى اليمن سواء في دول الجوار ودول الخليج والتي أصبحت تنظر بقلق إلى اليمن، وهذا الأمر له استطلاعات سياسية واقتصادية وغيره، حتى أنه يزعج اليمنيين العاملين في تلك المناطق، ويجعلهم محل شك وربما مراقبين، وهذا يدعونا جميعا إلى الوقوف لتحسين هذه الصورة التي أصبحت سوداوية نوعا ما، فهذه الحزمة مجتمعة هي الحل الطبيعي لمشكلة الإرهاب.



وقال حيدر: "قضية الإرهاب في اليمن في بُعدها الأساسي هي قضية أمنية صرفة، والدليل أن الدولة في وقت ما عندما كافحت الإرهابيين منذ عملية "كول" أو ما قبلها عندما قام جيش عدن - أبين ببعض العمليات، واحتجز بعض السياح، وما تلاها من "كول" و"ليمبرج" ومقتل أبو علي الحارثي، الذي كان أول أمير لتنظيم القاعدة في اليمن، بعدها في تلك الفترة ما بين 1998 - 2003 نستطيع أن نقول إن الجهاز الأمني والمكافحة الأمنية استطاعت أن تجفف منابع الإرهاب بمعناها التنظيمي، وتم تدمير تنظيم القاعدة بشكل شبه تام، فكان سرعة التعامل مع الظاهرة وعدم خلطها بظواهر أخرى مكّن الدولة وأجهزتها  الأمنية من تحقيق نجاح ملحوظ في محاربة القاعدة، لكن التغيّر في البيئة الأمنية والمزاج الشعبي والاجتماعي وانسداد أفق الحوار بين القوى السياسية في البلد سهّل الأمر للعائدين إلى صفوف القاعدة، الذين حاولوا إحياء التنظيم من جديد، وبالفعل استطاعوا أن يعيدوا مهمتهم وتنظيمهم، بل واندمجوا مع الهاربين من التنظيم المنهار في السعودية وشكّلوا تنظيما إقليميا، اتخذ لسوء الحظ في بلادنا مرتعا له".



ويضيف: "أعتقد بأن العلاج الأمني يظل العلاج الأكثر أهمية في درء العمل الإرهابي؛ لأن العمل الإرهابي هو عمل عنيف بالدرجة الأولى، وغرضه الإيذاء المباشر، سواء بالمصالح الأجنبية أم بالقوى الأمنية والمؤسسة العسكرية والحكومية، فهذا الأمر يجعل العلاج الأمني علاجا مهما وضروريا في مقدِّمة الحلول، بل ويفرض نفسه على صانع القرار السياسي والأمني، كما يجب على المجتمع أن يتفهم حساسية مثل هذا الأمر".



ويواصل حديثه: "القضايا الأكثر خُطورة التي تواجه البلد هي المتعلقة بالجانب الاقتصادي والسياسي، فعلى الحكومة أن تؤدي واجبها بالشكل الأمثل، وتمتلك شرعية شعبية حقيقة عن طريق إنجازاتها على الأرض، وهذا هو الرهان الأساسي، والذي سيكون رأس حربة أي مشروع في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه".



وقال: "يجب الاعتراف بأن جزءا من الخطاب الإرهابي الذي تتبناه التنظيمات الإرهابية الراديكالية جزء من خطابه يستقيه من خطاب مجاور له سلطته المالية وله تابعيه وله مؤسساته التي تغذيه بالأفكار، وهنا المشكلة. فيجب تنسيق الجهود ليس الأمنية فحسب، بل وجهود المؤسسات الدِّينية في اليمن والمملكة".



واختتم حيدر حديثه بالتأكيد "أن على النخب السياسية والثقافية والدينية أن تعي أن الوصول إلى العنف في تصفية الخلافات فيما بينها هو أكبر مؤيد للجماعات الإرهابية في عملها، وأن هذا المناخ المعتم والمحتقن هو الذي يخلق مناخا مواتيا لأي جماعة تريد أن تستبد بالأرض والناس والسلطات".


 



الدولة المدنية .. مطلب كل اليمنيين



في هذا الجانب، يؤكد البروفيسور فؤاد الصلاحي "ضرورة تفكيك البنى التقليدية، حيث يرى أن "القبيلة كثقافة تقليدية تلتقي مع الثقافة التقليدية للخطاب السلفي، وكلاهما يشكلان بيئة حاضنة لأي مجموعة إرهابية".



ويؤكد أن "الواجب تفكيك مثل هذه البنى التقليدية، من خلال إرساء منظومة ثقافة مدنية حديثة متكاملة. فوزارة الثقافة –مثلا- لم نسمع لها دورا ثقافيا تنويريا، كما هو الحال في كل بلدان العالم، تدعم الكتاب الحداثي تدعم المثقفين وتستقطبهم وتدعوهم إلى النقاش والحوار مع المواطنين، تُقيم ندوات في كل المناسبات الدِّينية والوطنية وغير ذلك".



ويضيف: "معارض الكتاب عندنا هي صورة مشوّهة من الخطاب السلفي عبر بيع كُتب هذا الخطاب واستقدامه من دول أصبحت ترفضه، ومن ثم هذا المعرض أصبح لا يحقق أي فائدة للمواطن، فوق هذا كله الخطاب السياسي الرسمي لا يتضمّن الإشارة إلى الدولة المدنية".



ودعا الصلاحي إلى ضرورة تضمين الخطاب الرسمي مفردات الدولة المدنية ولوازمها الدستورية والثقافية الذي سيخلق -حسب قوله- وعيا حداثيا لدى المواطن بهذا المفهوم، مؤكدا أن الدولة المدنية الحل الناجع لأزمات اليمن التي تبعد المواطن عن مشاكله المذهبية والطائفية بإنشاء الدولة المدنية، وترتقي به إلى مصاف الدولة الوطنية، وترتفع بثقافة الناس ووعيهم وثقافتهم، وتتجاوز كل الارتباطات العشائرية والمذهبية وتُؤسس لخلق مواطنة متساوية.



كما أكد أنه في حال استمرار الصراعات السياسية والفقر والبطالة، وغياب الثقافة المدنية، ستستمر مشكلات: الإرهاب، القاعدة، السلفيين ، التكفيريين.


 


المسجد ... حجر الزاوية



من جهته، أكد الدكتور عادل الشجاع أنه "لن يتم تجفيف منابع الإرهاب إلا إذا أُعيد النظر في الثقافة السائدة، الثقافة السمعية التي يغذيها المسجد بشكل يومي، والتي تحاول أن تقدّم الإسلام على أنه مناقض للحياة الدّنيا؛ حيث يدعو الخطيب إلى الموت وعدم حب الحياة. وعندما يسمع المرء بشكل يومي أن الحياة الدّنيا تافهة وحقيرة فإنها تصبح لدى هذا المتلقي غير ذات جدوى، وبالتالي فإن ثقافة الموت هي الثقافة التي يتلقاها بشكل يومي، هذه الثقافة ليست موجودة في الجامع فقط وإنما موجودة في التلفزيون والصحف والوسط الاجتماعي وموجودة في المنهج المدرسي. وهناك طقوس دينية تمارسها كل القوى الموجودة في الساحة بشكل كاذب وبشكل يكاد يكون فيه نوع من المباهاة، مع العلم أن الممارسات التي تمارسها هذه القوى هي مُمارسات لا دينية".



مشيرا إلى "أن غياب فكرة الدّولة الوطنية جعل الخطاب الديني مقبولا لدى الأطراف المتعصِّبة، وجعله مظلة حماية للقوى الداعية إلى العُنف، فإذا أردنا أن نجفف منابع الإرهاب فعلينا أن نجفف هذه الثقافة التي تجعل فكرة الدِّين مقدسة بعيدا عن أدوات الدين الحقيقة. فنحن بحاجة إلى أن نقف أمام: ما هي الدولة، هل نريدها وطنية لكل المواطنين أم نريدها بدون هوية؟ وبالتالي تأتي الجماعة التي تحب القتل وتكره الحياة، وتستفيد من هذه الرؤية الرخوة".


 



مسدود .. مسدود



الكاتب والصحفي نبيل الصوفي من جانبه يؤكد أن انسداد الأفق السياسي في المجتمعات هو منبع من منابع الإرهاب، مشيرا إلى أن الشباب الذين يتخطفهم الإرهاب لا يكون لديهم قرارات سياسية تساعدهم على التعبير عن احتياجاتهم ومصالحهم وذواتهم سواء على المستوى المحلي أم الدولي، مؤكدا أنه بالإمكان تجفيف منابع الإرهاب من خلال إشاعة قيم الحوار والاعتراف بالاختلافات السياسية وبحماية المجتمع من أن تكون السياسة أدوات صراع وليست أدوات اختلاف طبيعية.



وأشار الصوفي إلى أن الأزمات الدولية والعلاقات المحلية والمشاكل الاقتصادية تعتبر منابع للإرهاب.. "وهي بحاجة إلى مُعالجة خاصة".



وعبّر الصوفي عن أسفه الشديد من تركيز السياسيين اليمنيين على الإرهاب وإيلائه جل اهتمامهم، فيما "نجد المسؤولين عن السلطة المحلية، والثقافة، والإعلام، والإرشاد لا يعنيهم الإرهاب وتجفيف منابعه".



وقال: "إذا حولت نظرك إلى المجتمع فستجده غير مكترث بالإرهاب حتى الآن، ويتعامل معه بخجل، وربما هو آخر مجتمع يتعامل مع الإرهاب بهذه الطريقة. المجتمعات لديها خطط واضحة في التعامل مع الإرهاب، لكن في اليمن لا يزال كأنه كرة قدم كل طرف يريد أن يسجل هدفا على مرمى الآخر".



فلو عملت رصدا صحفيا للتناولات الإعلامية للإرهاب ستجده كلاما فارغا من المحتوى ومضمونا أجوف لا يقدم شيئا -مع احترامي للإعلام والإعلاميين- فحينما احتجت معلومة عن ناصر الوحيشي –مثلا- كانت المعلومات التي نشرتها وزارة الإعلام السويدية هي أهم من كل المصادر اليمنية، حتى أننا مثلا في مجلة "أبواب" كُنا أعددنا ملفا عن اليمنيين المعتقلين في غوانتنامو، فوجدنا صعوبة، مع أننا بحاجة إلى خارطة –فقط- لهؤلاء الذين في غوانتنامو، مثلا: إلى أي المناطق ينتمون، نريد أن نقسم حصص الإرهاب في اليمن بحسب المناطق، ثم ندرس الشخصيات هذه، ونعمل نوعا من المقاييس. المسألة مسألة علمية، في اليمن في وسائل الإعلام ستجد كلاما عنتريا أحيانا، وأحيانا اتهامات، لكن الكلام العلمي غير موجود، ولا تستطيع أن تدرس صفات وخصائص الإرهابيين، عملياتهم وخصائصهم!


 


..."استراتيجية إعلامية" ضرورة ملحة



لا شك أن للإعلام دورا مهما في تشكل الوعي بهذه القضية، يتحدث عميد كلية الإعلام بجامعة صنعاء الدكتور أحمد العجل عن دور الإعلام فيقول: "دور الإعلام في تجفيف منابع الإرهاب مُهم وكبير وعظيم. فالإعلام حتى يقوم بدوره لا بُد أن يتسلّح برؤية استراتيجية في ترسيخ الوسطية والتسامح ليغرس هذا النهج في المجتمع على مستوى النشء والشباب. وعندما نريد أن نسلِّح الإعلام بهذه الاستراتيجية لا بُد أن ندرّب وأن نؤهل العاملين في هذا الجانب؛ لأن الإعلاميين لن يستطيعوا أن يؤدوا ذلك الدور المنتظر منهم، وهم أصلا ليسوا مؤهلين ولا مدرّبين، وبالتالي لن يؤدي الإعلام دوره. ونحن هنا عندما نتحدّث عن الإعلام لا نتحدّث عن الإعلام الحكومي فقط، ولكن نتحدث عن الإعلام الخاص والحزبي وكافة وسائل الإعلام والعمل على ضرورة توحيد الخطاب الإعلامي الناقد والجاد الذي يرسّخ ثقافة المحبّة والإخاء والسلام والاعتدال والوسطية، بحيث يحوّل ذلك إلى ثقافة حياتية معاشة. ومن هنا فإن الإعلام مدعو لأن يقوم بدوره في هذا الجانب إلى جانب غرس وتدعيم هذه المفاهيم في النشء، ولا بُد من تحفيز الأسرة والمدرسة والمسجد وقادة الرأي على أن ينهضوا ويتكاملوا مع دور الإعلام في ترسيخ هذه المفاهيم. نحن لا ننسى أن الشباب يتعرضون لتغرير بعض الإرهابيين في المدارس التي لا تحتكم ولا تلتزم بنهج الدولة أو الذين يقعون فريسة لبعض القنوات الفضائية أو المواقع الإلكترونية التي تروّج لفكر التطرف والإرهاب. وهنا كيف يقوم الإعلام من خلال رؤية استراتيجية واضحة تأخذ في حسبانها الأولية والتدرج، ولذلك يجب أن نركّز على قضيتين: القضية الأولى: الإعلام الجمعي والمباشر من خلال المحاضرات والندوات والخطب والمناسبات؛ لأن الاتصال المباشر له تأثير كبير، فالمتحدث يستطيع أن يكمل رسالته من خلال ما يراه في الواقع من خلال التفاعل وردود الأفعال، كذلك أيضا يجب استغلال التقنيات الحديثة؛ لأن ذلك –لاشك- سيضيف وسيلة جديدة؛ كونها أكثر انتشارا وقادرة على كسر الحدود، وبالتالي فلا بُد من استغلال كافة وسائل الإعلام الجمعية والجماهيرية والإلكترونية واستثمار التفاعلية التي تؤثر بين المرسل والمستقبل، الذي يؤدي إلى الإقناع".



ويلفت إلى أن  "هناك قضية يجب التنبه إليها هي الوسائط الإلكترونية والأقراص المدمجة والسيديهات وغيرها، هذه أيضا يجب ألاّ نغفل عنها، ويجب أن نستغلها في توصيل الرسالة المطلوبة، وصنع الصورة الإعلامية المؤثرة في ترسيخ ثقافة الوسطية والاعتدال. وأتمنّى أن تُعقد ندوات وورش عمل ومؤتمر علمي حول هذا الجانب من خلال الجامعات اليمنية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، وطالما وُجد الاهتمام بهذا الجانب فإنه سيولِّد المشاركة، والمشاركة تولّد الإبداع".


 


ثقافة احترام التخصص



من جهة أخرى، يتحدّث مدير عام قناة "الإيمان"، القناة الدينية اليمنية الرسمية، الدكتور عبد الواحد الآنسي مؤكدا أن الخطاب الدِّيني  العقلاني يجفف منابع الإرهاب، حيث يقول: "إننا نجفف هذه المنابع، إذا استقينا معلوماتنا الدينية من الأصول التي تقدم الكتاب والسنة تقديما وسطيا لا ينمي عرقية ولا مذهبية ولا أي تعصب من هذا القبيل، فإذا أخذنا العلم من أهله المتخصصين فإننا –لاشك- سنأخذ المعلومة صافية تخدم الدِّين لا تهدمه، لاسيما إذا ما تحرينا أن يكون المنبع الأول هو القرآن الكريم إلا أن الإشكال يأتي بعد ذلك، فكل يفسِّر النص وفقا لهواه، وليس وفقا للمعايير العلمية الدقيقة التي تحكم معنى هذا النص، وبالتالي فإذا نظّمنا خطابنا ومنابرنا على أساس أن كل خطيب يشبع الموضوع الذي يخطب فيه لا أن يكون كوكالة أنباء يحشر كل ما يدور في العالم والإنسان يشاهد كل شيء طيلة ليله ونهاره، وبالتالي يكون المصلي قد خرج متخبطا لا يدري ماذا قال الخطيب، ولو نظّمنا الخطاب المنبري والخطاب الإعلامي بأن تؤخذ المعلومة من المتخصص وأن يُعطى كل موضوع حقه من الإشباع وتغطية كافة العناصر عندها لا شك أن المستمع سيخرج بفائدة".



ويضيف: "الأمر الآخر، ثمة زوايا مغلقة تقدّم خطابات دينية هذه الخطابات لا تخرج بين الناس في أوقات الصلوات المشروعة بل هي محصورة في زوايا مغلقة وإشكالية الشباب أنهم حينما ينخرطون في مثل هذه الجماعات، لاشك أن المعلومة التي تصل إليهم مغلوطة، فذلك يروج لها ويؤمن بها، وهو لا يعرف أحيانا أنه يكفِّر مسلما، ويعتدي على الطريق؛ لأنه لم يحصنْ بالمعلومة الصحيحة، فإذا حصنا أبناءنا وبناتنا بالمعلومة الدِّينية الخالية من التعصّب فلن تستطيع أي فئة أن تجر هذا الشاب إلى الفكر الضيّق المُظلم، وإن زعموا أنهم يتحدثون بالوسطية فهم في الطرف أصلا، بينما الوسطية حقيقة ليست ترك الدِّين أو الانسلاخ منه إنما هي الوسطية في الفهم، وهي الكفيلة بأن تجعلك أن تبيّن للآخرين كل ما يتعلق بهذا الدِّين الخاتم الذي جعله الله للناس جميعا لحياة كريمة".



مردفا بقوله: "فالمنابع ليس في المنبر فقط، بل سنجفف منابع الإرهاب إذا كانت صحفنا صادقة لا أن تجعل عنوانا من أجل أن تروّج الصحيفة لهدف في نفس يعقوب، أحيانا لا يريده الكاتب أو صاحب الصحيفة، فإذا تحرينا الصدق فإننا لاشك سنكون في الوسط؛ لأن الصدق لا يتنافى مع الوسطية على الإطلاق، بل هو جوهرها، فتجفيف منابع الإرهاب إذا كانت لدى كل شخص منا إرادة صادقة في ذلك، وإذا تحمّل كل منا مسؤوليته، فكلنا مسؤولون ليس الخطيب وليس الإعلام فقط، فيجب عملنا جميعا التحرّي من أجل أخذ المعلومة الصادقة من أصحابها، ونقل المعلومة التي تؤكد وسطية الإسلام. فإذا جاء مسلم يعي جيّدا ما هو الإسلام، وكيف سلوكه، فإنه لا شك سيجذب الناس إليه ، أما إذا جاء شخص ظلامي منزوٍ تقول له: هل قال الله، فيقول لك: قال الشيخ، يظن أنه الوحيد الذي يفهم الدِّين، وأنه الوحيد الذي بينه وبين الله صلة دون غيره، فإنه هو سيكرِّه الجميع، لكن إذا بقينا وراء شخصنة الدِّين الإسلامي فلا شك أننا نشوّه تعليم الدين الإسلامي؛ لأننا ربطناه في شخوص، أو في شكل أو في زي، وبالتالي هذه المسؤولية هي جماعية. ونقول لمن بالغ أو غالط: الوسطية تقتضي أن أكون صادقا وأن أقبل غيري كما أقبل نفسي، وأن أصحح الأخطاء وفق رؤية علمية ناضجة. ومن هنا فإن التعبئة الخاطئة هدم للدِّين، والدين جعله الله رحمة للعالمين والبشرية جمعاء.


 
القضية الفلسطينية .. بيت "الداء والدواء"



لا شك أن اليمن يتأثر بما يدور في العالم العربي والإقليمي والدولي، وأنها لا تعيش بمعزل عن ذلك، ولذا فإن ثمة من يرى أن السياسة العالمية هي من صنع الإرهاب، يقول الدكتور أحمد الأصبحي: "الوجود إسرائيلي في المنطقة العربية تحت أستار عديدة، قد يكون واحدا من المبررات الجاذبة لبعض النفوس الضعيفة لاستعمال الإرهاب بفعل وبردِّ فعل. كما أن الدّول الكبرى تتصارع بأدوات إرهابية، وكل جهة تريد أن تحارب وتبحث عن وكلاء لها، ومن ضمن هؤلاء الوكلاء الإرهابيون المضللون. هناك إرهابيون على مستوى الإقليم في المنطقة العربية والإسلامية، وثمة دولة معيّنة تربي مجموعة إرهابية ضد دولة أخرى. وعلى المستوى الدِّولي: الدول المتنافسة على المنطقة العربية والإسلامية دولة أوربية من المُمكن أن تربِّي مجموعة لتضايق دولة كُبرى أخرى في المنطقة. وبالعكس: دولة في قارة أخرى تعتقد بأن لها مصالح لا يمكن أن تصل إليها إلا بتربية مجموعة من هؤلاء الإرهابيين بطريقة غير مباشرة ليكونوا مبررا لتدخلها".
ويضيف: "إذا أردنا أن نُوقف الإرهاب علينا معرفة هذه البلدان على حقيقتها، وما هي مصالحها التي تقوم بإعداد هؤلاء بطريقة غير مباشرة، ومن أهم الأمور: محاولتها لتقليص الأموال التي تأتي عن طريق البنوك، ودعوتها لتجفيف منابع الإرهاب؛ لتحول دون وقوع الأسلحة بين أيديهم (الإرهابيين). فقامت بمحاربتهم في العراق وفي أفغانستان وما زال الإرهاب قائما أكثر وأكثر. الحال الصومالية أكبر حالة تكشف عملية الإرهاب، ومن وراء الإرهاب، علينا أن نقرأ الأمور، ونشخّص المرض بشكل حقيقي حتى نتجه إلى المُعالجة. الإرهاب هو نتاج صراع دولي وإقليمي وظفّوا هذا الغباء في هؤلاء المغفّلين الذين غسلت عقولهم بأفكار خاطئة تلغي الآخر، فاعتقدوا بأن عليهم أن يدافعوا عن فكرهم حتى الموت، أو أن يفجِّر أنفسهم".



بالمقابل، يقول الدكتور المهدي الحرازي: "ثمة مُعطيات كثيرة تدعو إلى الإرهاب، فما يجري من اختلال في السياسة الأميركية الخارجية يتمثّل في احتلال العراق، وتدليل أميركا لإسرائيل، وما تفعله إسرائيل بفلسطين، وما يجري من الحرب ضد لبنان، وما يجري في غزة المحاصرة والمجوّعة، وما يجري من تدمير المساجد ومن إحراق المصاحف، وما يجري من ضرب السفن التي حاولت أن تمد يد العون للمحاصرين في غزة، كُلها معطيات تدعو هؤلاء الشباب المتحمّسين إلى عمل شيء لهذا الدِّين، وتدعوهم إلى مثل هذه الأفعال، ولكنهم لو عقلوا لوجدوا أن ذلك عمل غير مسؤول وغير صحيح، ولوجدوا ما هو أهم. هذه المُعطيات الموجودة التي تفرّخ الإرهاب، وإذا ما قلنا: إن الإرهاب صناعة غربية، فإننا نكون مُحقين؛ لأنهم يغذون هذا الإرهاب بأخطائهم وغطرستهم وعنجهيتهم، وهم بذلك يسببون حرجا لدُعاة الوسطية والاعتدال. وأتذكر أن طالبا عندما ضُربت باخرة الحُرية قال لي: يا دكتور دائما تدعونا للوسطية، لكن انظر ما تفعل إسرائيل. ونحن هنا حينما نتكلّم عن أسباب الإرهاب فإننا لا نبحث عن مبرر لهؤلاء الذين يقومون بهذه الأعمال، بل نقول إن مواجهة أمثال هؤلاء تتطلب عددا من الحلول العلمية والأمنية والعسكرية، فينبغي أن نعرف أن ما نعيشه من واقع مرير واحتلال (فكل تصرف في أرضنا بفعل الغرب)، يعطيهم مبررا بل ويقوّي نفوسهم على مقاومة الغرب، ولكن عن طريق الإضرار بمقاصد هذا البلد".



الدكتور فؤاد الصلاحي من جهته يؤكد أن الغرب بالرغم من أنه "دولة مدنية لكنه يدعم تلك الجماعات لتكتيكات سياسية في البلدان التي له مصالح فيها، وترغب أميركا في إضعاف الدول التي لها مصالح فيها، حتى تتمكّن من التلاعب بها. لكن هذه الأجندة تعتمد على رغبة الدولة الوطنية والنخبة السياسية. فلماذا تسمح للآخر بأن يجعل من بلدها ساحة للاقتتال؟ لماذا تسمح للآخر أن يستغل الضعف الثقافي والاقتصادي لصالح مجموعات سياسية تُمارس العنف داخلها؟ هذه مسؤوليتها وليست مسؤولية الآخر. فأميركا –مثلا- لا تدعو إلى العنف داخل بلدها ولا ألمانيا ولا فرنسا، بل وتحاربه. قد تنشأ أصوليات ولكن هذه الدّولة المدنية لم تؤسس لثقافة متطرفة بداخلها، لكن عندنا الجماعات الأصولية والمتطرّفة تُمارس العنف ضد الدولة وضد المجتمع في آن واحد، وهذا الأخطر، إنها ضد المجتمع وضد قوى التحديث، وهنا كيف سيستطيع المجتمع أن ينهض إذا كانت قوى تناوئه داخل المجتمع وفي السلطة. والقضية -كما يرى الغرب- أن الدولة، في الوطن العربي واليمن منها، لم يكتمل نموها في إطار التعبير الدبلوماسي، أو أن هذه الدولة غائبة، والقائم هو سلطة سياسية لأفراد أو أحزاب تتحكّم في المجتمع.


 


... فشل "الحرب على الإرهاب" وراء تنامي التطرّف



قد تكون تغيّرت الخارطة السياسية العالمية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومن ذلك الوقت أعلنت الولايات المتحدة بل والمجتمع الدولي الحرب على الإرهاب. الباحث والصحفي نبيل البكيري يسلّط الضوء على الاستراتيجية الدّولية فيقول: "فيما يتعلق بالاستراتيجية الأميركية أو الغربية لمكافحة الإرهاب أعتقد بأن مدى الإخفاق والفشل الذي وصلت إليه هذه الاستراتيجية التي لم تثبت حتى الآن أي نجاح لها منذ اعتمادها وحتى اليوم، لاقتصارها على المقاربة الأمنية الصرفة في مكافحة الإرهاب، وهي المقاربة المعتمدة دون سواها في الاستراتيجية الغربية رغم أنها بعد أكثر من عشر سنوات من إعلانها أثبتت فشلاً ذريعاً، مما يحتم على النظام الأميركي أن يغيّر من مثل هذه الاستراتيجية الفاشلة".



وبفعل هذه المُقاربة تحوّل تنظيم القاعدة من مجاميع مسلّحة في جبال أفغانستان إلى تنظيم شبكي يكاد يتواجد في كل نقاط الصراع والتماس مع القوى الغربية، من أفغانستان مروراً بالعراق واليمن والصومال ودول شمال الصحراء الأفريقية فضلا عن المجتمعات الغربية نفسها، بغضّ النظر عن حقيقة هذا التواجد من عدمه وحجمه وكيفيته، فالعبرة بالنتيجة التي وصلت إليه الأمور فيما يتعلق بتهديدات القاعدة.



فالمقاربة الأمنية والعسكرية الصرفة -لا شك- أكبر مستفيد منها هو تنظيم القاعدة نفسه، حيث عمد هذا التنظيم إلى استخدام نتائج هذه المقاربة في أجندته الإعلامية التي تعتمد على تصوير همجية ووحشية العسكرية الأميركية في تنفيذ عملياتها التي سقط ويسقط جراءها آلاف الضحايا المدنيين الأبرياء كشماعة يعلّق عليها التنظيم كل سياساته وتصرفاته أمام أنصاره ومشايعيه كردة فعل طبيعية ودينية وعقائدية تجاه مثل هذه المُمارسات الهمجية، وبهذه الطريقة استطاع التنظيم استقطاب وتجنيد مئات الشباب المحبطين وغيرهم في العالم الإسلامي".



ويضيف :"أعتقد أيضا بأن المستفيد الآخر من هذه المقاربة الأمنية في شقها الآخر (دعم وتسليح وحدات مكافحات الإرهاب في دول المواجهة مع القاعدة)، هي الأنظمة الحاكمة في هذا الدّول التي تسخِّر جزءا كبيرا من هذه الميزانية في صراعاتها مع خصومها السياسيين، فضلا عن أن هذا الدّعم يُضفي نوعا من الرضى والقبول والموافقة أمريكياً وغربياً عن سياسات وتصرّفات هذه الأنظمة تجاه شعوبها، تلك السياسات التي فوتت فرص التنمية والبناء وأغلقت منافذ التغيير الديمقراطي والإصلاح السياسي الذي لا شك يُعد المفتاح الضائع لأزمات هذه الدّول والتي تُعد ظاهرة الإرهاب في مقدِّمتها ونتيجة طبيعية ومنطقية  لغياب الإصلاح السياسي في هذه المجتمعات المحتقنة بالاستبداد والظلم والإقصاء والحرمان. وبتالي أعتقد بأن الحكومات الغربية والأميركية تحديداً تقف أمام مرحلة تاريخية، مما يُحتم عليها إعادة حساباتها بهذا الخصوص، من خلال إعادة ترتيب الأولويات في سياساتها واستراتيجياتها تجاه العالم الإسلامي وبالأخص فيما بات يُعرف باستراتيجية "مكافحة الإرهاب" تلك الاستراتيجية التي تعتمد المقاربة الأمنية والعسكرية البحتة وتغفل الأسباب الحقيقية التي تغذي وتخلق بيئات وأجواء مناسبة للأفكار المتطرِّفة، وفي مقدّمة هذه الأسباب -ولا شك- أزمة "الشرعية السياسية" المسكوت عنها غربيا في العالم الإسلامي. وبعد ذلك ممكن أن يأتي الحديث عن المقاربة التنموية والاجتماعية والاقتصادية أو حتى تالياً الأمنية، أما في ظل الاستمرار في نفس الاستراتيجية القائمة على المقاربة الأمنية والعسكرية فحسب، فأعتقد بأن الحديث عن مكافحة الإرهاب، لن يأتي بجديد، ولن يُفيد شيئاً سوى مزيد من الإخفاق والفشل".


 



... إجراءات يمنية لمواجهة ظاهرة الإرهاب



سعت الحكومة اليمنية لمواجهة هذه الظاهرة ومعالجتها من خلال رؤية تكاملية قامت على منظومة استراتيجية ارتأت الدولة فيها ضرورة تفعيل الحوار الفكري لمعالجة الجذور الفكرية للتطرّف والإرهاب؛ كون الحوار هو أنجح الطّرق للتخلّص من الفكر المتطرّف، لعلّ هذه الخطوة كانت هي من أنجح الخطوات التي قامت بها الدولة، بل والتي كانت محط إعجاب وتقدير ودراسة من المجتمع الدولي، كما أكد على ذلك السفير الأميركي مؤخراً.
 إذ أولت القيادة السياسية عناية فائقة بذلك، فجاءت دعوة الرئيس علي عبدالله صالح لكبار علماء اليمن عام 2003 إلى عقد اجتماع خاص في شهر أغسطس حضره كبار المسؤولين في الدولة والحكومة وتمخضّ عن الاجتماع تشكيل لجنة من العلماء للحوار مع الشباب العائدين من أفغانستان وغيرهم من الشباب الذين يحملون عقائد وقناعات تُخالف ما هو عند جمهور العلماء، كلفت اللجنة بالاستماع إلى هؤلاء الأشخاص ومحاورتهم ومناقشة أدلتهم للوصول إلى الفهم الصحيح وانطلقت هذه اللجنة في عملها لا تهدف إلا لتجسيد وسطية الإسلام وسماحته وبيان حقوق ولي الأمر والالتزام بالدستور وتعزيز حماية الحقوق التي كفلها الإسلام لغير المسلمين وتعزيز احترام المعاهدات بين اليمن وغيرها من الدّول، وترسيخ الأمن والاستقرار في البلد، ولذلك سعت هذه اللجنة إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال عدد الجهود التي تجلت في الحوار المباشر مع الأشخاص الموقوفين وغيرهم ممّن لديهم قناعات فكرية مخالفة لما هو عليه جمهور العلماء. وكذلك الحوار غير المباشر، والذي يجريه أعضاء اللجنة مع أصحاب الفضيلة العلماء عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لترسيخ المفاهيم الصحيحة والرّد على الشبهات والمفاهيم الخاطئة. وانطلقت هذه اللجنة في عملها بأجندة جرت مناقشتها وتقييمها وتقويمها تمخضت مؤخرا عن عدد من الموضوعات، أهمها: مفهوم الدولة والخلافة الإسلامية وحقوق ولي الأمر، تبيين فقه الجهاد وتوضيحه وكل ما يتعلق به، احترام الدستور والقوانين النافذة والعمل بها، علاقة المسلمين مع غيرهم وحقوق غير المسلمين في البلاد الإسلامية، نبذ العنف والتطرّف والإرهاب، آداب الحوار في مسائل الخلاف، التكفير والهجرة، الأعمال التي تخل بالأمن والاستقرار والآثار المترتبة عليها، الضوابط الشرعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووظائف الحسبة في الإسلام.
ولم تقتصر المعالجات الفكرية على الحوار فقط بل كانت هناك أكثر من خُطوة لتطوير العمل الإرشادي والدعوي وعُقدت العديد من المؤتمرات والورش والدورات التي تهدف إلى تنمية الشباب وتأهيل الخطباء والمرشدين، من أبرزها: مؤتمر الإرشاد الأول المقام في يونيو 2004 الذي أقيم من أجل الارتقاء بالعمل الإرشادي في ترسيخ تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والذي شارك فيه أكثر من 270 مشاركا من عدد من الدِّول العربية والإسلامية، وناقش عددا من محاور العمل الإرشادي فأبان منهجية الخطاب الدعوي وآفاقه وحثّ على وحدة الأمّة ودور الخطاب الدعوي في مواجهة التحدِّيات وحث على ضرورة تفعيل دور الاجتهاد في تجديد التشريع، مشددا على أهمية منهج الوسطية في الخطاب الدعوي في ظل المؤسسات الإرشادية بين الواقع والطموح.



المُعالجات الأمنية والقضائية والقانونية كانت هي الأعلى جاهزية لدى الحكومة اليمنية لمعالجات التطرّف والإرهاب، فقد قامت الأجهزة الأمنية بملاحقة منفذي حوادث الاعتداء على السفارات الأجنبية والدبلوماسيين الأجانب والمنشآت والمصالح الأجنبية بشكل عام، ولا تزال ملاحقتهم والترصد لهم جاريا، وبالفعل تمت محاكمة من ألقي عليه القبض وأصدرت العقوبات بحقهم، وسيقدمون إلى المحاكمة لينالوا جزاءهم حال إلقاء القبض عليهم . بالمقابل،  اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات الوقائية والاحترازية منها: منع دخول الأجانب إلى البلاد ممن لا يوجد لديهم عناوين واضحة أو جهات مسؤولة عن استقبالهم، ومنع دخول الأجانب عبر بلدان أخرى إلا عبر بلدانهم الأصلية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين وحماية الموانئ النفطية والتجارية في اليمن من قبل الأجهزة الأمينة ومشاركة القوات المسلحة، بالإضافة إلى حصر الأجانب من مختلف الجنسيات بهدف معرفة أسمائهم وأماكن عملهم ومقراتها ومقر إقامتهم وسياراتهم وأرقامها. علاوة على القيام بتسجيل وترقيم القوارب وتنظيم عملية استيرادها.
الحكومة اليمنية أيضا برغم أنها لم تُهمل حل المشاكل الاقتصادية لمنع استغلال الفقر وتجفيف مصادر التمويل، إلا أن الجانب الاقتصادي ما يزال يمثل تحديا رئيسيا، وسببا مُهما في ظهور التطرّف والإرهاب التي يُرجع كثير من المحللين العامل الاقتصادي إلى طليعة العوامل المؤثرة سلبا وإيجابا على ظاهرة الإرهاب، وكما نشرت مؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي في أكتوبر الحالي تحليلاً للباحث كريستوفر بوسك يؤكد فيه أهمية تقديم المساعدات التنموية بعيدة المدى لليمن لمكافحة الإرهاب، والتي من شأنها تحسين حياة اليمنيين وتعزيز قُدرات وشرعية الحكومة اليمنية، بل يؤكد أيضا على أن التركيز على العمليات الأمنية فقط في مكافحة الإرهاب يزيد الإحساس بالظلم ويلعب لصالح تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.



وأخذت الحكومة في السعي إلى مكافحة الفقر وتخفيف نسبة البطالة بيد أن عوامل الإرهاب وتدني الدخل القومي يعيق ذلك، ما أدى إلى تفاقم المشكلات وتراكمها وتداخلها..



الحكومة اليمنية أيضا سارعت إلى قبول فرص التعاون الإقليمي والدّولي لمكافحة الإرهاب التي طرحت عليها وسعت إلى طلب ذلك ممن ترتأي مساعدتها. وعلاوة على ذلك فقد أخذت الحكومة اليمنية في الآونة الأخيرة تهتم أكثر بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب. وتزمع إصدار قانون يُنظم الأنظمة الآلية الخاصة بتحويل الأموال (الواردة والصادرة) يبدأ بمعرفة العميل وهويته وكافة التفصيلات الخاصة به وتتبع أنشطته ومراقبة حركته والتنبّه لما قد يحصل منه من مخاطر، والتي قد تنشأ بسبب عميل محدّد أو فئة من العُملاء بسبب أنشطتهم أو سلوكهم. وتحديد هذا الخطر الناتج وتطوير إطار العمل العام على أساس المخاطر. وضبط مسألة العُملاء العارضين وضبط عمليات التحويل الخاصة بالتجار والجمعيات والمنظّمات الخيريّة غير الربحية والشخصيات السياسية والمؤسسات التجارية وشركات التأمين، بالإضافة إلى إجراء الرّقابة الداخلية لضمان عدم غسيل الأموال، إضافة إلى ضبط الطريقة التي تقدّم بها المنتجات والخدمات إلى العملاء وكذلك اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لمنع حدوث أي خلل قد يؤدي إلى أرباك المنظومة العملية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذا تجميد أي عملية وإبلاغ وحدة التحرِّيات المالية والبنك المركزي اليمني والجهات ذات العلاقة  فوراً عن الحالة حين توفّر الأسس المعقولة للاشتباه بأن أحد الأفراد أو المنشآت يقوم بطريقة أو بأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر بتوفير الأموال أو جمعها، وأنها ستُستخدم لأغراض غير مشروعة.


 


السياسية

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسال
طباعة
RSS
إعجاب
نشر
نشر في تويتر
اخبار اليمن


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(شبكة أخبار الجنوب)