يمن موبايل تنظم حفل استقبال وتوديع مجلس إدارتها    شركة يمن موبايل توزع عائدات حملة دوائي السادسة للأطفال المرضى بسرطان الدم    برعاية السلطة المحلية البورد العربي يدشن برنامج اعداد المدرب المعتمد في دمت   يمن موبايل تختتم فعاليات اسبوع اليتيم العربي بيوم ترفيهي لطلاب دار الايتام    وزارة الاتصالات تعمم بتطبيق قانون صندوق مكافحة السرطان   بطولة النصر الشتوية بدمت تواصل نألقها والريادة يحصد نتيجة اليوم التاسع للبطوله   مقاضاة مسئولة سابقة بتهمة التخابر مع صنعاء    شركة يمن موبايل تدشن الخطة الإستراتيجية 2019-2023م   لاعب منتخب الطاولة جبران يحرز بطولة البحرين الدولية للناشئين والأشبال    تعيين الاستاذة/ أم كلثوم الشامي مديرا تنفيذيا للمدرسة الديمقراطية   
شبكة أخبار الجنوب - الارهاب

الثلاثاء, 02-نوفمبر-2010
شبكة اخبار الجنوب - تقارير -

"... الإرهاب ظاهرة تستلزم تضافر جهود كل أبناء الوطن من أجل التصدي لعناصرها المتطرفة التي انحرفت عن تعاليم الدِّين الحنيف والإجماع الوطني وظلت تمارس القتل لمجرد القتل وأضرت بمصالح الوطن والأمّة وأساءت إلى صورة الإسلام والمسلمين، وهي مسؤولية الجميع وبصورة مستمرة وبكل الوسائل المُتاحة من الإرشاد والتوجيه والتنوير والإصلاح وصولاً إلى تجفيف منابعهم الفكرية والمالية وتفكيك شبكاتهم الإرهابية ومُلاحقة عناصرهم في كل مناطق تواجدهم باعتبارها مهمّة كل اليمنيين وكل الوطنيين وليس فقط مهمّة رجال الأمن والقوات المسلّحة".


بتلك الكلمات، دعا فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في خطابه الذي وجّهه إلى أبناء الشعب اليمني في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 2010 الماضي، إلى الاصطفاف الوطني لتجفيف منابع الإرهاب.


وهنا تُثار عدّة تساؤلات: ما هي الاستراتيجية التي يمكن تبنّيها لترجمة التوجيهات بـ"اجتثاث منابع الإرهاب" ذلك إلى شيء ملموس؟ من هي الجهة المعنية باجتثاثه؟ وهل الحوار الوسيلة "الأنجع" للقضاء على الإرهاب؟ وهل -بالفعل- البطالة والفقر المسببان الرئيسيان لـ"الإرهاب"؟


"السياسية" من خلال سلسلة حلقات ملف "سُبل اجتثاث الإرهاب" تحاول الإجابة على كل تلك التساؤلات، التي توجّهت بها إلى ذوي الاختصاص والجهات ذات العلاقة لوضع "رؤية" جادة قد تكون نواة لـ"استراتيجية يتم تفعيلها على أرض الواقع".


الإرهاب ..إشكالية المفهوم


الإرهاب توصيف لـ"ظاهرة" أصبحت من التقعيد والتركيب بمكان ومفهوما طغت عليه نزعة الإيديولوجية والذاتية، وبات أقرب إليها منه إلى العلمية والموضوعية، ولذلك تعددت دلالاته وتنوعت معانيه، إذ شهدت الثلاثة العقود الأخيرة خلطا كبيرا بين مفهوم الإرهاب الإجرامي غير المشروع وبين غيره من المفاهيم المشروعة والأخلاقية، ليصبح في بعض الأحيان أداة لشرعنة الذات ضد الآخر. إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود عنف أو إرهاب كأمر قائم، فالإرهاب وإن ظهر كمُصطلح في العصر الحديث عقب الثورة الفرنسية تحديداً إلا أنه وجد في المجتمعات القديمة كممارسة وسلوك يهدف إلى استعمال العنف والقوة لأغراض سياسية.


وفي هذا الصدد يتحدّث الوزير الأسبق عضو مجلس الشورى، الدكتور أحمد الأصبحي، فيقول: "الإرهاب لا ينطلق إلا للإيذاء في غير محله واستخدام العنف المخلّ بالأمن والسلام والاستقرار وتعطيل البناء والتنمية، والإرهاب حالة إحباط وحالة نفسية غير طبيعة لمن غُسل دماغه وتعامل مع الأعمال الإجرامية على أنها واجبة، كما يتصوّر في رؤيته الخاطئة التي تربّى عليها أو أنشأتها ردود الفعل".


ويقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية محمد سيف حيدر: "ظاهرة الإرهاب معقّدة، تستدعي بالضرورة مكافحتها كما أن فهمها يستدعي فهما مركّبا، ولذلك فإن مكافحتها ستكون عملية مركّبة بالضرورة بمعنى أن تجتمع فيها الأدوات المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه الظاهرة بما أنها ذات أبعاد إقليمية ودولية، فإن محاربة الإرهاب في اليمن لن يتم بمعزل عن هذا البُعد الإقليمي والدّولي، ولكن ظاهرة الإرهاب إذا استطعنا أن نجيب على سؤال: هل لهذه الظاهرة دوافع محلية أم أنها عابرة للأقاليم والحدود، أو بمعنى آخر ظاهرة مستوردة وغريبة على المجتمع وغريبة على المجتمع اليمني، فإننا نستطيع أن نحدد أو نبسّط المسألة بشكل أوضح".


هل اليمن بيئة حاضنة للإرهاب؟


قبل الولوج إلى أعماق الموضوع، وجدنا أن سؤالا يطرح نفسه: "هل المجتمع اليمني بيئة حاضنة للإرهاب؟".


وضعنا السؤال بين يدي عالم الاجتماع البروفيسور حمود العودي الذي قال: "المجتمع اليمني بيئة حاضنة للرفض والمقاومة والندية وليس للإرهاب، إذا ما عرّفنا الإرهاب على أنه عمل عقائدي قائم على العنف غير المستنير، أما البيئة اليمنية فهي بيئة غير حاضنة للعقائدية المغلقة والمطلقة بالمعنى الدّيني أو المعنى الأيديولوجي بأي شكل من الأشكال، لكنها مبنية على التعامل الندي والرفض السياسي القائم على النّقد وعدم القبول بالإلغاء والتهميش بل العمل بالمشاركة".


وأضاف: "لا يشكّل اليمن بيئة حاضنة للإرهاب من منظور عقائدي بأي معنًى من المعاني، وليس في اليمن أي مستقبل للصراع على الأساس الدّيني أو العقائدي، فقد يتصارع الناس سياسيا أو اقتصاديا أو عائليا أو قبليا أو شخصيا لكن لم يحدث أن تقاتلوا في أي وقت على أساس ديني أو عقائدي، ولا أعتقد ولا أظن أن هذا سيحدث في المستقبل. لكن ما يجري من ترويج وتضخيم لفكرة الإرهاب العقائدي هو خطاب سياسي أكثر منه واقعي سواء بالنسبة لمن يروّج له أو يتحدّث عنه كأنه خطابه أو من يقاومه ويحاربه بنفس الحجة".


طالما كان المجتمع اليمني مجتمعا غير إرهابي وغير قابل للإرهاب، فكيف عرف هذا المجتمع شيئا اسمه الإرهاب؟
وفي هذا الصدد يقول البروفيسور العودي: "الهوية الدولية للإرهاب هي كلمة باطل يُراد بها باطل، وإذا ما أردنا البحث عن أصول ما يسمّى "الإرهاب" فهو صناعة غربية صُنعت أفغانستان الثمانينيات، والمجاهد الأكبر ابن لادن في الثمانينيات، أما الآن فابن لادن هو الشيطان الأكبر وأفغانستان الخطر الأعظم".


ويؤكد: "الإرهاب هو صناعة أميركية - أوربية بدرجة رئيسة، وهذه بضاعة الغرب التي يضخِّمها ويجعلها مرتكزا للإثارة الدّولية بالدرجة الأولى لهدف غير منظور لا يدركه الناس المبتدئون من الساسة، وغير السياسيين، فهو المطية أو الوسيلة التي تمكّن الغرب الأميركي أو الأوربي من أن يتدخل باسم هذه الكلمة الباطلة للباطل أيضا لكي يصل إلى مواقع نفوذ ومواقع وصاية على أنظمة وعلى مصالح بُحجة التعاون من أجل مكافحة الإرهاب وتكوين حلفاء رسميين وغير رسميين لمكافحة الإرهاب، وهي في الحقيقة عبارة عن قرارات للهيمنة ومزيد من التدخّل في شؤون الآخرين، وهذا ما وقع في أفغانستان، فهل ذهبت أفغانستان إلى أميركا لتُرهبها أم أن أميركا والتحالف الدولي هو الذي جاء ورمى بكل ثقله وقتله ودماره على الأفغان، وهم أناس يقاتلون في بلادهم في بيوتهم، فكيف أسميهم إرهابا؟ إرهاب الدولة الرسمي هو الذي يتجاوز حدوده، ويقتحم حدود الآخرين ويفرض عليهم ما يريد؛ فأي إرهاب هذا الذي يمكن أن يُقال في أفغانستان؟ فشعب مغلوب على أمره يواجه تحالف احتلال إرهابي عالمي كيف يمكن أن أسميه إرهابا، وبأي معنًى من المعاني؟ وهل أسمي الطفل الفلسطيني الذي يرفع الحجر في وجه الدّبابة إرهابيا؟ وهل الشعب المحاصر في غزة الذي يصل عدده إلى قرابة مليوني إنسان تحت سمع وبصر العالم كله إرهابيون؟ أ لأنهم خاضوا تجربة ديمقراطية ونجحوا فيها ولا يملكون شيئا يصنفون على أنهم إرهابيون من المسلمين والعرب قبل اليهود؟ أين منطق العالم والعقل؟ أ هذه مقاييس الحقيقة التي ابتزت للمشاعر الإنسانية؟".


ويواصل البروفيسور العودي طرح رؤيته فيقول: "ومن هنا يجب على أن نبحث عن وجودنا حتى يحترمنا الغرب كطرف ونحترمه كطرف، ونتعاون على مقياس الحقيقة والواقع، لا على مقياس ما يقوله هو ونستجيب له نحن، فهذه هي المشكلة في الوضع السياسي العربي بالدرجة الأولى، وهو أكثر حلقات الضعف انهزامية ورخصا أمام هذا الابتزاز الدولي، فعندما تنظر إلى ما تفعله تركيا أو إيران أو أميركا اللاتينية تجد أنها تسير في اتجاه التعامل النّدي والوجه للوجه وطرفا لطرف، بينما نحن لا نشكِّل إلا صدًى عميقا لما يمكن أن يُصدر عن البيت الأبيض أو مجلس الأمن أو المحكمة الدولية بدون أي ثمن..".



ظاهرة عابرة


وبالرغم ممّا أكده البروفيسور العودي إلا أن ثمة واقعا يشير في حقيقته إلى وجود حالات اختلالات أمنية وعنف وقتل وترويع للآمنين، فما هو معنى ذلك، وما تفسيره؟



يجيب على هذا التساؤل الخبير في الشؤون الاستراتيجية، محمد سيف حيدر، حيث يقول: "ظاهرة الإرهاب في اليمن ظاهرة عابرة، فاليمن كدولة في العالم تأثرت بظاهرة العنف العابر للحدود، وأعتقد أن الظروف الاقتصادية والسياسية التي مر بها البلد خلال العقدين الفائتين هيئا مناخا لجعل الظاهرة أكثر رسوخا، أو أكثر زخما أو أكثر قوة في بلد كاليمن، ولكن لا يعني ذلك أن نعفي مسؤوليتنا من حضور مثل هذه الظاهرة في البلد، فانعدام الأفق السياسي وانعدام الأمل وشعور كثير من الشباب بـ"اللاجدوى" وكذلك استغلال الجماعات الراديكالية لحالات الفقر السائدة وحالات الإحباط الموجودة هذه الأمور كلها مع بعضها البعض تجعل من ظاهرة الإرهاب أمرا لازما أو مُحتما بمعنى أنها تترك الباب مواربا لجماعات شتّى تستطيع أن تستغل المناخ الذي أصبح موجودا، للأسف وأن توظّفه لصالحها لإحداث عمليات عنف وإرهاب وتخريب هنا وهناك".


ويؤكد "مع ذلك فإن مشكلة الإرهاب في اليمن ليس تحديا يستحق أن نجند له المجتمع ككل، لاشك أنها مهمة ومعقدة ولكن من المجدي أن نراها في إطارها وسياقها العام، وأن نضع الإرهاب في مكانه وتقديره الحقيقي حتى لا تذهب إليه موارد أكثر مما ينبغي، لأننا إذا جعلنا الإرهاب تحدينا الأول في اليمن فإننا سنضيع موارد ربما كان من الأجدى أن تذهب في أماكن أخرى، فلا يصح أن نضخم حجم الإرهاب، ولكن نعطيه حقه كما ينبغي لا أن نجد له إمكانيات ومقدرات مجتمع كامل، فيكفي المجتمع ما به من هموم".



الباحثون أطباء المجتمع


يمكن أن نجتهد ونحل مشكلة، بيد أن اجتهادات باحث متخصص ستكون أكثر دقّة وموضوعية، وبعد ذلك يمكن أن يكون العلاج ناجعا، إذا كان التشخيص دقيقا، وهذا ما يؤكد عليه الوزير السابق الدكتور أحمد الأصبحي عضو مجلس الشورى فيقول: "لا بُد أولا وقبل كل شيء أن تكون هناك دراسة متجرّدة من الأهواء والأغراض والتبعية، دراسة واعية فاهمة لكل الأبعاد بحيث تستطيع أن تشخّص منابع الإرهاب على حقيقتها، ثم بعد ذلك يتم التوجه إلى المنابع التي بيّنتها الدراسة، كما أننا بحاجة إلى أن نقرأ الفترة المُعاصرة لمعرفة متى نشأ الإرهاب وما أسبابه؟ ولماذا لم يكن موجودا من قبل؟".


وأكد الحاجة الماسة إلى علماء وباحثين متجردين من الأهواء ومن سيطرة الإرهاب الفكري دون اتهام أحد منهم أو تزوير كلامهم أو تحريفه، يلتقون ويناقشون بحرية كاملة من أجل مصلحة هذه الأمّة ليضعوا النقاط على الحروف ويشيروا بـ"سبابة الاتهام" إلى الجهات التي كانت مصدرا للإرهاب، مشيرا إلى أنه "لم نكن نسمع أن ثمة إرهابا في المنطقة بطريقة كبيرة كالتي نسمعها اليوم إلا بعد أن اختفى توازن الرعب الدّولي في ما كان يسمى بـ"الحرب الباردة"؛ لأننا إذا عرفنا مصدر الإرهاب يمكننا فك طلاسمه".


القبيلة ... مظلة حامية


بات واضحاً أن دور القبيلة في مكافحة الإرهاب أصبح جوهرياً ورئيسياً، ولا يمكن تجاوز مثل هذا الدور خاصة بعد أن أكدت الأيام أن العديد من عناصر الارهاب تلجأ للقبيلة للاحتماء بها بل ومحاولة القيام بإيجاد سياج للتنسيق والتعاون معها، ولو كان ذلك عن طريق المال وإنفاقه‮ ‬بسخاء‮ ‬بالصورة‮ ‬التي‮ ‬تجعل‮ ‬من‮ ‬القبيلة‮ ‬حامياً‮ ‬مهماً‮ ‬لهم‮ ‬في‮ ‬مواجهة‮ ‬الدولة‮ ‬التي‮ ‬تحاول‮ ‬استئصالهم‮.‬


وفي هذا الجانب، يرى الدكتور عادل الشجاع:" أن القبيلة بشكل خاص توفّر مظلة وحماية لقوى الإرهاب والتطرف، فنحن نجد أن كل مجتمعات العالم تقف جنبا إلى جنب مع دولها وحكوماتها لمكافحة التطرّف والإرهاب".


وأضاف: "تابعنا ما جرى في المملكة العربية السعودية عندما قامت قوى الإرهاب والتطرّف بممارسة العنف، وقف المجتمع والعلماء إلى جانب الدّولة وصدرت فتاوى، واستهجن المجتمع هذه الممارسات ما جعل الأجهزة الأمنية تستطيع أن تضيق الخلاف على هذه القوى التي فرت عبر الحدود باتجاه اليمن".


وقال: "للأسف الشديد المجتمع والقبيلة في اليمن لا يقفون إلى جانب الأجهزة الأمنية بل يوفِّرون الحماية لقوى الإرهاب والتطرّف، وهذا ما نجده في منطقة القبائل حيث نجد القاعدة تتمركز بشكل كبير في هذه المناطق".


وتساءل الشجاع عن سبب التمسك بالمشايخ والقبائل التي تعيق بسط نفوذ الدّولة على الأرض وحرمتها من الوصول إلى الجماعات الإرهابية، مشيرا إلى أن غياب النظام والقانون أوجد ثقافة تشجِّع على الإرهاب والتطرّف، فضلا عن الفساد المستشري.


مشيرا إلى أن الدولة إذا أرادت تجفيف منابع الإرهاب، عليها محاربة الفساد، وإصدار قانون خاص بالإرهاب يمنع الكراهية؛ لأن الأخيرة جعلت القوى تتصارع وتعطل التنمية داخل البلد، كما أن على مشايخ القبائل تقديم الولاء والطاعة لها، واحترام النظام والقانون، وتجريم أي فرد أو قبيلة تحمي "الإرهابيين".


... البداية من هنا


الرؤية التربوية تُعد الأهم في مُعالجة الظواهر، التي قد تكون الأكثر تأثيرا في سلوك الفرد وتطبيعه على السلوك الجمعي بشكل عام.
في هذا المحور تتحدّث أستاذ ورئيس قسم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتورة عفاف الحيمي عن الدور المحوري للأسرة في تنشئة الفرد، وكيفية خلق فرد واعٍ يبني ولا يهدم.


تقول الدكتورة الحيمي: "الأسرة لها دور في كبير في تنشئة أفراد الأسرة على التسامح أو التعصب الذي هو أساس الإرهاب. والمشكلة أن هناك لدى بعض الأسر تعصبا فكريا، فهي أسر سلطوية تملي على الولد والطفل قُل ولا تقل، أفعل ولا تفعل، بدون أي إقناع أو تبرير منطقي، أيضا تملي عليه أن أسرتنا هي أسرة عريقة؛ وهي بذلك تلغي الآخر دون أن تشعر، وهذا الأمر أدى إلى تكوين جماعات مغلقة على نفسها، باعتبار أن الآخر أقلّ منها مكانة، وأصبحت كل فئة اجتماعية تنظر إلى الفئة الأخرى بنوع من التعصب نحو أبناء الوطن".


وتنبه الدكتورة الحيمي إلى ضرورة "أن تكون الأسرة على وعي بأمرين؛ أولا حماية أبنائها من الفكر المستورد الشاذ وغير السليم، والثاني: التربية على قبول الآخر واحترامه"، مؤكدة أن هذين الأمرين هما التحديان الكبيران للأسرة وتفعليهما في حياة الفرد لن يتأتى إلا بالتعليم.


وأشارت الحيمي إلى أن الفكر المتطرّف -عادة- لا يشتغل ولا يتفاعل إلا في أوساط المجتمع الأمي أو الأقل تعليما مما يجعل كثيرا من الأسر تقبل أي فكر يأتي من هذه الجماعات، لاسيما أنها تقدّم حديثها من منطلق دينية، فيتم استمالة الشباب لاسيما إذا كانت الأسرة لا تتفقه في أمور دينها وحياتها فتصبح فريسة لهذا الفكر هذا العامل الأول.


وتضيف: "هناك عامل آخر وهو عامل إهمال الآباء والأمهات لأبنائهم، فالانشغال عن الأبناء وإهمالهم وضعف الرقابة التوجيهية لهم عامل مهم يمكن أن يجعل الطفل والنشء والشباب ينحرف عن المسار المطلوب. وكذلك الحياة الاجتماعية اليمنية فيها عادات قاتلة، كما أن فلسفة التربية هي منظومة قهرية أبوية تسلطية فلا يوجد متنفس حقيقي للشباب، وهناك استهانة بالشباب وبتفكيره، والشباب في حقيقته طاقة إذا لم يتم توجيهه توجيها عقليا سليما واعيا يصب في خدمة المجتمع، فإن هذه الطاقة إذا وجّهت بشكل خاطئ من قبل جماعات "متطرفة" -لاشك- ستكون ضد المجتمع، وهذا ما يحصل مع الشباب الصغار والأطفال الذين نسمع أنهم يقومون بالعمليات الانتحارية".


وتضيف: "أعتقد بأننا نحتاج إلى أيام لنتكلم عن آليات تجفيف منابع الإرهاب، ولكن الأسرة هي من تعلم النشء أوليات التعصب أو أوليات التسامح، ومع ذلك تبقى الإشكالية في الأسر اليمنية أنها تعصبية قهرية عنصرية تجاه المرأة والآخر كما هو حال المجتمع أيضا، فهو "أبوي سلطوي"، ومن هنا فإن هناك عددا من الوسائل يمكنها المساهمة في عدم انتشار الإرهاب بل والقضاء عليه، أهمها؛ التعليم وتطبيق القانون، ونشر التسامح، والتوزيع العادل للثروة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتحقيق المواطنة لأبناء المجتمع جميعا، وترجمة ثقافة الديمقراطية إلى واقع في المجتمع، وإيجاد إعلام حُر، كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى تراجع التعصّب في المجتمع، وتبقى إشكالية الإرهاب مشكلة كبيرة وفضفاضة بحاجة إلى دراسات وأبحاث".



اختناقات البيوت


من جانبه، قال الكاتب والصحفي نبيل الصوفي: "إن المنبع الاجتماعي للإرهاب يمكن أن يكون ناتجا عن الاختناقات داخل البيوت وسُوء العلاقات الأسرية والعلاقات بين الأجيال والتفاوت الطبقي والعنصرية الاجتماعية والدينية داخل المجتمع، حتى إنها تأتي أحيانا من أزمات شخصية".


وأكد الصوفي أن المنبع الاجتماعي بحاجة إلى دراسة وتحديد.


وقال: "مثلا، نحن في اليمن بحاجة إلى رصد معلومات عن الإرهابيين وظروفهم الأسرية ودراسة الخصائص الاجتماعية المشتركة بين هؤلاء الناس، وبالتالي تجفيف المنابع ومُعالجة المشكلة بشكل مباشر".


وأشار إلى أن مجلة "أبواب" التي يرأس تحريرها وجدت أن "مُسيك" في صنعاء و"القاهرة" في تعز و"البريقة" في عدن أهم المناطق التي ينتمي إليها من يتهمون بـ"الإرهاب"، لافتا إلى أن هكذا مناطق حريّة بالدراسة لمعرفة الأسباب والبيئة الاجتماعية والتكوينية بكل تفصيلاتها ومكوناتها ومدخلاتها التي جعلت هذه المنطقة تفرز أمثال هؤلاء".


التعليم ... الاستراتيجية طويلة المدى لتحقيق الأمن


نشر منظومة تعليمية تحمل قيم التسامح وقبول الآخر صارت الطريق الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار وإقامة مجتمع مدني، وبعبارة أخرى: أضحى التعليم بمثابة استراتيجية طويلة المدى لتحقيق الأمن والاستقرار؛ فما حقيقة العلاقة بين مناهج التعليم والإرهاب؟ وما أثر تغييرها على حياتنا وحياة أبنائنا؟ وما أهم السبل لمواجهة تحدِّي "المنهج" المتعصب؟


يؤكد الوزير الأسبق عضو مجلس الشورى الدكتور أحمد الأصبحي في هذا الصدد: "هناك خطأ في المنهج خطأ في التربية خطأ في السلوك يحتاج إلى تغيير، وهذا أمر غاية في الأهمية".


يقول الدكتور الأصبحي: "يوجد لدينا ضعف منهجي، صحيح أن المنهج التعليمي عندنا لا يخلق إرهابا على الإطلاق، ولكن نريد أن نركِّز على التسامح والأخوة والمحبة بما يزرع في قلوب الشباب أن الإنسان الصالح هو الذي لا يقبل الولاءات الضيِّقة لأنها أحد العوامل المنتنة والمؤسفة في بلادنا. أما التربية الوطنية فالقضية فيها ليست قضية تحية العلم. القضية أن النشاط المدرسي المكمّل للعملية التعليمة في المكتبات في المسرح في الصحافة الداخلية وغيرها من الأنشطة الموازية كل ذلك يؤثر في خلق شباب واعٍ مستنير. أما الوطنية فيفترض أن تُقاس بمقدار الحب للوطن وإلغاء التناقضات التي تعطي فرصة للإرهاب أن يتسلل فيما بيننا. وعلى التربية أيضا أن تؤكّد على مبدأ الشعور بالخوف من الله والضمير، قبل الخوف من قانون البشر، وهذا يمكن أن يخلق مجتمعا أكثر انسجاما، ومن هنا فالإرهاب هو أنواع مختلفة: فكري واقتصادي ووظيفي... الخ، ويتخذ أشكالا متعددة، لكنه في النهاية ناتج عن عدم وجود التربية العامة الشاملة التي تغرس قيم المحبة والتسامح، فضلا عن المساواة بين الناس على أساس من الكرامة وتكافؤ الفرص، هذه كلها عوامل مساعدة في الحد من ظواهر الإرهاب والإحباط الذي يمكن أن ينتج عنه تصرّفات بدون وعي وبغير حق وبغير إدراك للمسؤولية".


ويضيف: "نحن جميعا نتحمّل مسؤولية أن مناهجنا منتجة "للتطرّف"، صحيح قد يكون هناك بعض الأفكار التي يمكن أن تؤدي إلى خلق تعصب، لكن يجب أن نقف في وجهها بحزم وأن يكون منهج الاعتدال والوسطية منهجنا ليس في المدارس فقط بل وفي المسجد وفي التوعية المتكاملة وفي علاقات الأحزاب بعضها ببعض، وهذا مُهم للغاية".



أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور فؤاد الصلاحي، يؤكد في هذا الصدد على أن الأمر بالنسبة للمنهج المدرسي من أخطر الأمور، فيقول: "نحن أمام ثلاثة أو أربعة ملايين طالب في المدارس، فلو بدأنا بطرح قضايا التسامح والمواطنة ومخاطر العنف وأفضلية العلاقات الإنسانية هذا الأمر كله سيخلق ثقافة مدنية لدى الجيل تنشأ بالتدريج معه من مراحل التعليم الأولى حتى الجامعة".


وتساءل الصلاحي: "في الجامعة لماذا تغيب كُتب التربية المدنية التي تتناول المواطنة والتعدد والتنوع والتسامح وتدعو إلى الدّولة المدنية والديمقراطية وتمكين المرأة، الأمر الذي يجعل من هذه الثقافة أحد أهم مرتكزات الوعي الحداثي لدى الجيل كله؟".


وقال: "إذا تم إدماج هذه المفاهيم في التعليم كله سنخلق قطاعا عريضا من الشباب الواعي ويستطيع الإعلام والمسجد أن يكمّل ما تقوم به هذه المؤسسات".


ويتفق معه الدكتور عادل الشجاع حيث يقول: "المنهج المدرسي يدعو إلى العنف والإقصاء ولا يربّي الطالب على القيم الوطنية، كما أنه لا يربي الطالب على التفكير، إنما يصادر عقله، والآخرون هم من يفكِّرون نيابة عنه بما يجعل أولئك الذين يلقون بـ"الفتاوى" من السهولة بمكان أن يصلوا إلى الطالب ويستفيدوا من الفراغ الذهني والفكري الذي يعيشه".


وأضاف: "كما أن المدارس تلعب دورا كبيرا، فإذا ما زرناها نجد أن ثمة قرارا يستهدف تدمير العملية التعليمية-من وجهة نظري- يتمثل بإلغاء الفترة المسائية وتكديس الطلاب جميعا في الفترة الصباحية، فنجد داخل الفصول ما يزيد عن 250 طالبا في الفصل الواحد. وإذا ما زرنا المدارس فإننا سنجد أن ثمة أعدادا من الطلاب بزيهم المدرسي خارج أسوار المدرسة في حين يمكن معاقبتهم ومحاسبتهم إذا ارتكبوا أي أخطاء، لكن أن يتركوا بالزي المدرسي يتسكعون في الشوارع فإنهم سيصبحون لقمة سائغة للجماعات المتطرِّفة".


وتابع قائلا: "لذلك نجد العنف ينتشر في المدارس، وفي الوسط الطلابي بشكل ملفت للنظر، ومع ذلك لا يوجد من يلتفت لمثل ذلك، وكذلك لا بُد من إعادة النظر في المنهج المدرسي والجامعي تحديدا، لأن الأخير متخلّف، فالفلسفة مغيبة، وهي المعنية بتحرير العقل من الترّهات والكهنة الذين يحاولون أن يكونوا وسطاء بين الإنسان وربه".


الخطاب الديني .. أدهى وأمرّ


من العبث وتضييع الجهد وعدم الجدية في التعامل مع الظواهر الخطيرة المراوحة في ملاحقة المنتج السيِّئ ونسيان الماكينة التي تصنعه، بمعنى أن نلتهي بالفرع ونترك الأصل، وأن يلهينا العمل على ملاحقة المنتجات الضارة عن محاولة تغيير الماكينات المنتجة نفسها.
فالتفجير الانتحاري الإرهابي مسبوق بتنظير ديني، سواء في خطابات أم كُتب أم بحوث أم دراسات أم مقالات أم غيرها من وسائل القول والتأثير، فالخطاب الديني "ماكينة التشدد والتطرّف والإرهاب"، لا تبدأ بالمفجِّر أو الانتحاري بل تنتهي به، فهو آخر ثمار السلسلة الإرهابية المقيتة.


في محور "الخطاب الدِّيني" المصنِّع لـ"الحزام الناسف" يقول استاذ علم الاجتماع الدكتور فؤاد الصلاحي: "الخطاب الدّيني مهم، لكن الأخطر عدم وجود رقابة عليه"، مشيرا إلى أن هناك جماعات متعددة متنوعة مذهبية وسلفية وحزبية كل منها لديه خطابه وتفسيره، الأمر الذي يصيب المواطن بالتشوش والغموض حتى لمعنى آية واحدة أو حدث تاريخي إسلامي واحد، فكل من هذه الجماعات تقرأ التاريخ بطريقتها وتقدّم الموعظة بطريقة منفرة للآخرين، ولا تخفى الأهداف السياسية لمثل هذه المجموعات السائدة، ونحن نعرف أن هناك مجموعات تسيطر على مساجد وأخرى تتعارض معها، بل إن هناك أحيانا في بعض المساجد تتم صلاة المغرب والعشاء مرتين كل مرة لمجموعة بمعزل عن المجموعة الأولى، وهذا أمر قائم".



كذلك الدكتور أحمد الأصبحي بدوره يؤكد: "لدينا جزء من منابع الإرهاب يتمثل في الفهم الخاطئ والقاصر للدِّين. فالأصولية موجودة في كل دين وليست محصورة في دين معيّن، والذين يسمون الأصوليون التحريفيون في فهم العقائد هؤلاء يعتقدون بأنهم هم الصواب وما عداهم هم الخطأ، وهناك من يصطاد هذا الصنف الخاطئ بوعيه فيعبئه تعبأة خاطئة لينتصر لمذهبه أوعقيدته أو مبدئه، فمن الممكن أن يقوم بأعمال انتحارية أو تخريبية بطريقة أو بأخرى، والمطلوب منا أن نقف جميعا على هذا الأمر ومعرفة من الذي يدفعهم إلى هذه الأمور".



ويرى الكاتب والصحفي نبيل الصوفي في حديثه أن للإرهاب منبعا دينيا "يرتكز على القيم والمفاهيم الدِّينية التي يتم استقطاب الشباب من خلالها وتفعيل العمليات الإرهابية"، ويرى أن تجفيف هذا المنبع "يأتي بتسليط الضوء على هذه النقاط بشكل جاد وعلني؛ لأن كثيرا من علمائنا الأجلاء يقولون في الظاهر ما لا يقولون في الباطن، وهؤلاء الشباب يخرجون من الباطن، وليس من الظاهر، لا يخرجون من المسجد العام مع أنه حتى في خطب المسجد اليوم ما يزال هناك كثير من القيم والمفاهيم التي يجب أن تراجع لتمثل أساسا دينيا كبيرا.



إلى ذلك، يؤكد الدكتور عادل الشجاع على ضرورة "إعادة تأهيل خطباء المساجد الذين يدعون إلى كراهية الحياة ويحببون إلى الناس الموت، وبالتالي فإن مثل هذه المراجعات هي مسؤولية وزارة الأوقاف، لكن وزارة الأوقاف تكاد تكدس كثيرا من الذين يروجون لثقافة الموت، وثقافة الموت هي جوهر التطرّف والإرهاب".



من جهته، يقول الكاتب والباحث عصام القيسي: "الخطاب الديني في نظري هو الأهم، وهو في رأس القائمة، وهو بحاجة إلى مراجعات وتعديل، فلا بُد من برنامج مراجعة شاملة للتراث، والمراجعة هي مهمّة جدا، وهي الخطوة الأولى في عملية التصحيح. ثم إلى تعميم الفكر المستنير ونشره. وأعتقد بأن هذه هي الخطوة الأهم والأجدى.. لأن العنف عندما يستند إلى الدين من الصعب أن ينتهي أو يتوقّف. فالمشكلة في هذا المغذّي في مصادر الإنحراف الفكري نفسها، فلدينا مصادر انحراف فكري هائلة، فالتراث الحنبلي وما شابهه يمتلئ بإقصاء الآخر وتكفيره، وهذه كلها مصادر للإرهاب "ومن هنا فلا بُد من برنامج شامل تشترك فيه مناهج التربية والتعليم، وكذلك الخطاب الدِّيني ممثلا في وزارة الأوقاف إذا صحت أن تكون ممثلا، وتشترك فيه أيضا وزارة الثقافة".



لماذا هؤلاء متعصبون؟


لعل الإشكالية بدت في الخطاب الدّيني المتعصب، وفي هذا الصدد نسأل أستاذ فلسفة التربية بجامعة صنعاء الدكتور أحمد الدغشي ليكشف عن ماهية التعصب الديني وأسبابه فيقول: "أعتقد بأن هناك جملة عوامل لصناعة التعصب الدّيني في أساسها ما نسميه بمؤسسات التربية التي تبدأ بالأسرة، فأحيانا قد نجد الأب أو الأم أو الأخ أو الجد مؤثرين على نمط التنشئة، فهي كُلها أوامر أو كلها نواهٍ وهي حقائق ولا مجال للبديل والحوار وليس هناك إلا رأي كبير الأسرة، ما يسمى بالسلطة الأبوية، وهنا يبدأ يتشرب التعصب، ولاسيما في الأسر المتدينة -للأسف الشديد- فهذا يجوز وهذا لا يجوز وهذا حلال وهذا حرام، فإذا لم نميز بين ما أحل الله حقا وما حرم حقا ومسألة التحليل والتحريم نسبية إلى حد بعيد، والتعامل الدوغمائي مع مسألة الحلال والحرام يكون هو العامل الأول في تشرّب ثقافة التعصّب بحيث أن أي شيء يخالف القناعات التي تربّى عليها الطفل ولاسيما في الست السنوات الأولى، كونها المحك الأساس في عملية التنشئة لا يمكن تغييرها بسهولة، ولذا فإن من الصعوبة أن يستقبل الطفل أي متغيّرات تخالف تلك التي تنشأ عليها، سواء كان سلبيا أم إيجابيا، ينتقل بعد ذلك إلى المدرسة التي قد تكون عامل تعزيز للتنشئة الأولى، خطأ كان أم صوابا، ثم المسجد ثم الرفاق ثم مؤسسات التنشئة الأخرى، ولاسيما في أيامنا كمؤسسات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية، فهنا إما أن تكون هذه المؤسسات متوافقة فيخرج المتعلم نمطا محددا إيجابيا أم سلبيا سويا. أما منحرفا وإما أن تكون متضاربة، وهذا هو الغالب، لاسيما مع دخول مؤسسة الإعلام، فيحدث تضارب، وهنا يصبح المتعلّم أشبه بعربة يجرها حصانان، ينطلق الأول يمينا والثاني يسارا، وكل يلهب ظهره بسياطه وأوامره ونواهيه، والنهاية أنه سيتمزق، من هنا يحدث عند المتعلم قدر من الدوغمائية في الحقائق المطلقة في كل شيء، وأحيانا عندما يجد أمرا من هنا ونهيا من هنا في الموضوع نفسه فيحدث فيه اضطراب وتمزق وتشتت".
ويضيف: "من هذا المنطلق، فلا بُد من التأكيد أن الإلغاء أو المصادرة لأي مكوِّن اجتماعي أمر مرفوض وغير مقبول، والدستور والقانون يكفلان العيش للجميع بما فيهم الأقليات وذوو الخصوصيات، وإذا كانت لدينا جدّية حقيقة في الموضوع يجب أن تُشكّل لجنة موسّعة من خبراء في التربية وكل ذي صلة بها من مؤسسات وأفراد وشخصيات مؤثرة، وتنظر في المناهج الحالية من حيث وجود التعصّب فيها من عدمه، يشمل: التعليم العام والخاص، وكذلك الحال في مؤسسات التعليم العالي العام والخاص أيضا، وبالذات الأقسام والكليات المتعلقة بالعلوم الشرعية، وإعادة النظر فيها، وهذا ليس سهلا ويتطلّب اختيار أزكى وأنظف وأطيب العناصر المُخلصة، وهذا في المؤسسات المقصودة، ويتوازى مع ذلك مؤسسات التنشئة غير المقصودة من الأسرة والإعلام والأحزاب والتنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومساجد وأندية ونحو ذلك، وتبقى المدرسة هي المؤسسة الأهم والأبرز، وليس بالضرورة عبر خطاب الكتاب، بل هناك ما يبثه المدرِّس من أفكار لدى الطلاب، وكذا عن طريق السلوك والمُمارسة والأنشطة المصاحبة، ولكن هذا سيحاصر التعصّب إلى أقصى نطاق".
مؤكدا على أن "التعصّب الديني يعد أسوأ أنواع التعصب، لأنه يستند إلى المقدس ومشروعية الذات الإلهية أو الحق الإلهي، ومن هنا فإن تلقف التعبئة بلا تمحيص سيخلق من التعصب والاحتقان باسم الدّين ما لا يمكن التقليل من شأنه على مستوى الحاضر أو المستقبل. فعندما نربّي أبناءنا على قول واحد وكأننا -من حيث ندري أو لا ندري- نشطب على الآخرين، ولئن وقع هذا عند العامة والأميين فلا يصح أن يكون في المؤسسات العلمية الكبرى العامة كالجامعات. بحيث يتخرّج الطالب الجامعي وهو مدرك أن هناك آخر موجود في مجتمعه، أو خارج مجتمعه، يمكن أن نتعايش وإياه".



رؤية مقاصدية شاملة


من جهته، يؤكد أستاذ أصول الفقة بكلية الشريعة الدكتور المهدي الحرازي أن ثمة أمورا خطيرة وقعت في حياتنا وأدت إلى الإرهاب، ومن ذلك أزمة الوعي المقاصدي، يقول الدكتور الحرازي -وهو يعدد أسباب الإرهاب-: "تكمن الإشكالية في نقل ما يتعلق بالآخرين دون وعي بواقعنا نحن، أي دون وعي بالتنزيل. فالصحابة -رضي الله عنهم- لم ينته عهد الخلفاء الراشدين حتى ابتكروا واستنبطوا أحكاما لم تكن موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا ما جاء شخص يريد أن يسقط أي قضية دون معرفة الواقع المعاش ودون معرفة أدوات الاستنباط التي تقوم على أصول الفقه ومقاصد الشريعة وفهم الواقع وضوابط التنزيل على الواقع فإن ذلك يمكن أن يكون طريقا مؤديا للإرهاب. وبالتالي وجدت أيضا مشكلة في الخطاب الدِّيني، ووجد خطاب ديني عاطفي قاصر؛ ذلك الخطاب الذي يدعو الناس إلى الجنة والاستشهاد دون علم بفقه الجهاد وآداب الاستشهاد؛ لأن الإنسان يمكن أن يجاهد في الشكل لكن مآله إلى النار. فالخطاب العاطفي القاصر يؤدي إلى مثل تلك الأمور لأنه يدعو إلى الخروج من دون ضوابط. فبخُطبة يدعو فيها الخطيب الى الجنة والجهاد والاستشهاد يمكن أن تحدث هذه المشاكل؛ لأنه لا يدعو إلى عمارة الحياة، وبالتالي يوجد أناسا يستسهلون، لاسيما وأن عمارة الحياة في الحقيقة أمر صعب ويحتاج إلى عمل ومثابرة بعكس الموت الذي يمكن لأي شاب أن يأخذ حزاما ناسفا ويقتل نفسه، لكن من الصعب جدا أن ينجح هذا الشاب في دراسته، ويكمل دراسته العليا، ويبنى مؤسسة لها أثر وبصمة في الحياة، مع أن الشرع جاء لعمارة الحياة، وجاء بثقافة عمارة الحياة، قال تعالى :"هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها"، وبالتالي فإن الجنة التي تدغدغ بها عواطف الشباب في كل الطوائف هي ليست ملكا لأي طائفة، وهي سلعة الله الغالية، وبالتالي فإن الحياة في الإسلام أفضل من الموت، وهذا ما يؤكده جوهر الإسلام، ومن ذلك ما ورد أن شخصين أسلما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات أحدهما قبل الآخر، فشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخر بأنه أكثر أجرا؛ لأنه عُمّر في الإسلام .ومن هنا فالمشكلة هي في الخطاب الدِّيني، وإذا كان لا بُد من الكلام عن الموت والجنة والنار والقبر فليكن لأجل عمارة الحياة واستثمار ذلك.
ويؤكد: "المشكلة في الخطاب الدِّيني أنه أحيانا يستدر الدموع بمثل هذه الموضوعات دون أن يستخدمها في إصلاح الحياة". ويواصل حديثه: "لماذا لا نؤكّد أن الموت الذي يخاف الناس منه يمكن أن يكون رحلة ممتعة جميلة، وأن ذلك لن يكون إلا من خلال عمارة الحياة، وهذا ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". إذ لو تأملنا لوجدنا ذكر الموت مقرونا بذكر عمارة الحياة من خلال الصدقة الجارية التي تبقى مستمرة بعد الموت أو العلم الذي يفيد الناس والأمّة والولد كذلك استمرار للحياة، فهذا الذي يقتل نفسه؛ لماذا لا يبحث في أن يدرس الدراسة اللائقة به، ويبحث عن أسرة يؤسس من خلالها الأبناء الصالحين، وبدلا من أن يكون وحده متعلما صالحا يكون هناك أفراد متعلمون صالحون لخدمة الأمّة والمجتمع".
مشدداً على خطورة الخطاب الدِّيني الذي يثير فرضية الجهاد دون طرق ضوابطه وفقهه وآدابه، يذكر من أهمها: "أن الجهاد أولا لا يعلنه إلا ولي الأمر بتشاور مع العلماء، كما أن للجهاد آدابا: فلا يقتل شيخا ولا طفلا ولا امرأة ولا العبّاد في الصوامع، بل لقد منع الله نبيه من فتح مكة لأن فيها مؤمنين لا يعلمهم رسول الله حتى لا يسفك دم امرئ مسلم لا يعرفه رسول الله "ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم"، فما بالك الآن حينما يأتي شخص ليس من حقه أن يعلن الجهاد فيعلنه، وليس من حقه أن يسفك الدّماء فيسفكها، وليس من حقه أن يقتل المسلمين فيقتلهم، حتى إن العلماء قالوا إذا تترس العدو بجماعة من المسلمين فلا يجوز لهم ضرب الترس إلا إذا ترتب عليه هلاك الأمّة بأكملها، كما أن قتل المعاهد منهي عنه، وذلك واضح في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهدا في غير كنهه حرم الله عليه الجنة"، فهذا أمر في غاية الخُطورة، وهؤلاء لا يعرفون هذه الأحكام. ساعد في ذلك الاستغلال الإعلامي لغير العلماء، فكثير من وسائل الإعلام تبحث عن النجم، ولا تبحث عن العالم، وبالتالي فإن ذلك يولّد مرجعيات مزيفة تسعى لتلبية مطالب الناس. أما العالم فإنه لا يسعى إلى إرضاء الناس، وبالتالي يقول الحقيقة دون مُحاباة أو مُجاملة لأحد، ولم ينشأ الإرهاب إلا عندما غاب دور العلماء وأفتى أنصاف المتعلّمين، وأصبحوا هم مرجعية الناس في الفتاوى، وما يحتاجونه فلا يصح أن يُترك لهم العنان".
ويضيف الدكتور الحرازي: "أيضا لدينا مشكلة تتمثل في إشكالية التأصيل وقبول التأصيل. أحيانا لا نُؤصل تأصيلا شرعيا حقيقيا يقوم على معرفة الواقع، ثم ننزل الأحكام عليه، وأحيانا يوجد من العلماء من يؤصل ويقدم طرحا عقلانيا وجيها، ولكن لأن هذا التأصيل إذا انتقد هذا أو ذاك فإنهم يرفضونه جملة وتفصيلا، ولذلك نجد أن أصحاب هذه التيارات لا يسمعون لهؤلاء العلماء العقلانيين بل يتهمونهم مع أنهم يقدمون بحوثا علمية قيمة. ولذلك فإن الجهل بالعلوم الإسلامية والفقه وأصول الفقه ومقاصد الشريعة وفقه التنزيل عامل مهم يساعد في نمو أفكار التطرف والإرهاب، وأتذكر تجربة رائعة لجامعة الأزهر في فترة من الفترات، حيث قبلت الجامعة عددا كبيرا من الذين كانوا في هذه الجماعات الإرهابية والتكفيرية، وأشهد لله أني سمعت طلابا يكلِّمون الدكتور صلاح الدين زيدان، قالوا له: جزاكم الله خيرا، فقد كانت، قبل أن نقرأ علم أصول الفقه، أفكارنا ضالة، واستنباطاتنا قاصرة، وكُنا لا نلوي على شيء بل نجزم بكل ما يخطر ببالنا". كما أن اعتقاد الأحقية المطلقة مشكلة تؤدي إلى الإرهاب، فإن الشخص إذا علم بقول ظن أنه لا يوجد في الدنيا غير ذلك القول، فقاتل من أجله وصارع وخاصم و...و...و، لكن إذا زاد علم الشخص لاشك أنه سيقل اعتراضه، فالقواعد متعددة أما القطعية فإنها ناشئة عن قلة العلم وضعف الوعي.


السياسية

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسال
طباعة
RSS
إعجاب
نشر
نشر في تويتر
اخبار اليمن
التعليقات
جاد شاجرة - بريطانيا (ضيف)
02-11-2010
نستطيع القول ان عودة المجاهدين من افغانستان وبحيث انه لم يكن لهم خصوم سوى الحزب الاشتراكي فقد شهدت فترة من الفترات اغتيالات للحزب الاشتراكي على يد هؤلاء ولكن بعد فترة رأينا هدوء نسبي بحيث راينا ان القاعدة تركزت في العراق وافغانستان ولكن بعد ان تم تضييق الخناق عليهم في تلك الدول رأيناهم من جديد في اليمن واليمن بها الكثير من الامور التي تساعد على حرية الحركة منها العامل الديني الذي يستخدموه لتللين قلوب المناطق التي يبسطون بها وبعد العامل الديني ياتي العامل التضاريسي فالارض اليمنية صعبة لوجود الجبال التي تعتبر ستار لتحركات القاعدة وايضاهناك سهولة مرور المعدات من النقاط بسبب عدم التشديد على المراقبة خاصة ان تواجد العوائل يسمح بمرور المركبات ,,,كلها امور تجعل من الصعب التكهن بالخطوة القادمة للقاعدة الا من خلال تشديد الخناق في الاماكن التي يقطنوها وايضا التوعية الشديدة بمخاطر ايواء من مثل هؤلاء ,,, والتقرير جميل ووافي



جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(شبكة أخبار الجنوب)