يمن موبايل تنظم حفل استقبال وتوديع مجلس إدارتها    شركة يمن موبايل توزع عائدات حملة دوائي السادسة للأطفال المرضى بسرطان الدم    برعاية السلطة المحلية البورد العربي يدشن برنامج اعداد المدرب المعتمد في دمت   يمن موبايل تختتم فعاليات اسبوع اليتيم العربي بيوم ترفيهي لطلاب دار الايتام    وزارة الاتصالات تعمم بتطبيق قانون صندوق مكافحة السرطان   بطولة النصر الشتوية بدمت تواصل نألقها والريادة يحصد نتيجة اليوم التاسع للبطوله   مقاضاة مسئولة سابقة بتهمة التخابر مع صنعاء    شركة يمن موبايل تدشن الخطة الإستراتيجية 2019-2023م   لاعب منتخب الطاولة جبران يحرز بطولة البحرين الدولية للناشئين والأشبال    تعيين الاستاذة/ أم كلثوم الشامي مديرا تنفيذيا للمدرسة الديمقراطية   
الجمعة, 04-ديسمبر-2009
شبكة أخبار الجنوب - غونتر غراس شبكة اخبار الجنوب -
حسونة المصباحي

نعرف الحضور الكبير للأسطورة في أعمال "غونتر غراس" الروائية. ففي "الطبل الصفيح" التي جعلت من غونترغراس كاتبا عالميا، نجد أنفسنا أمام قزم يدعى "بابرا" يذكرنا بالشخصيات المشوهة في أساطير أوروبا الشمالية.

وتحضر الأسطورة أيضا في رواية "سمك الترس" الصادرة عام 1977 ورواية "الفأرة" الصادرة عام 1986. أما في رواية "سنوات الكلب" فان غونترغراس يستعين بالإنجيل ليعالج التاريخ الألماني. وفي هذا النص البديع، يقدّم صاحب "الطبل الصفيح" رؤيته للأسطورة، وتأثيرها على مجمل أعماله الروائية.

إن موضوع "الأدب والأسطورة" يغرقني في شيء من الحيرة والارتباك ذلك أنه يتضمن التأكيدات والعقيدة المفهومية للباحث في العلوم الأدبية. أما أنا فلا تأكيدات لي ولا يقين. أما بالنسبة للمفاهيم المتداولة، فان أفضل استعمال لها هو دفنها. ثم إن التجارب في مجال الحقل الدلالي للأسطورة، وللأساطير وللأسطوري جعلتني مرتابا ومتشككا، بالإضافة إلى كل هذا، نحن نتحمل دائما في ألمانيا نتائج سياسة معينة أرادت أن تصنع أسطورة، غير أنها أفضت إلى "الهولوكوست".

إن مثل هذه التجارب اللاعقلانية ولإفرازاتها والتي لا تزال تؤلمنا إلى يوم الناس هذا، أشاعت فينا العقيدة في العقل، وهي عقيدة تتجاوز ما هو محتمل ولكل معجزة، نحن نقوم بجرد التكاليف. وللإشارة إلى الفوضى جاءتنا فكرة التجزئة.

في كل غبش، يلمع ضوء القنديل الزيتي للتحقيق الاحصائي. ونحن نستعمل العقل كمضاد للسمّ.

ونتشممه، ونستنشقه. ولبعضنا البعض نضخ حقّنا من العقل. بعد ذلك نعتقد أننا أصبحنا محصنين ضد الاغواءات الجديدة التي تقذف فيها أيضا في اعماق مفهوم كيس المهملات غير المحدد الجوانب اللاعقلانية، وكلمات مثل الأسطورة، والأساطير واسطوري. وها نحن نعاني اليوم النتائج.

فتحت غطاء اللغة التي تعقلن، خلق مفهوم العقل الذي يزداد ضمورا يوما بعد آخر، مبعدا كل ما يمكن أن يهدده،لا عقلانية تشهد تصاعدا مع أسطورة التقدم. ومنذئذ أصبحنا نستعمل مختلف الأساطيرالتي كبرت شتلاتها في براثن هذه الايديولوجيا أو تلك لتغذية اللاعقلانية التي شبعت من العقل حتى أن نجاحها مع الأساطير المتعاقبة والناجعة، أصبح يهمّ في نفس الوقت المجتمعات التي تزعم أنها بلا طبقات والمجتمعات التي تعتقد أنها متعددة وحيث الاساطير تستعمل كمفهوم أعلى. والعقل نفسه لا يريد أن يقر بذنبه. ومنذ أن جعلت منه الثورة الفرنسية البداية والنهاية للأنوار الأوروبية، ومنذ أن أقيمت له المعابد الصغيرة والكبيرة خلال الثورة وبات اسطورة تماما مثلما هو الحال بالنسبة للتقدم، تسامى العقل. واليوم هو يمارس الاستبطان الحزين.

وبما أنه لا يحتمل هذه الحالة الزحلية، فانه يطالب بحبات انعاش. المفارقات دمّرت. والذي كنا نعتقد أنه فصل بطريقة نظيفة،وبات جيدا على المستوى الايديولوجي "من ناحية، العقل الذي يفسر، ويضيئ، وبالتالي يعجل بالتقدم، ومن ناحية أخرى اللاعقل، المتهم مفهوميا بأنه لا عقلانية"، وكل هذا أصبح مختلطا بشكل مأساوي. ونحن نهتز ونطلق الوسائط الروحية، ولأننا أصبحنا عاجزين عن القيام بأي فعل. فاننا سلّمنا أنفسنا إلى عرافي العصور الحديثة، أعني بذلك أجهزة الكمبيوتر. ولم يعد يعبر عن الحقيقة على الأقل، إلا من خلال الحكايات والأساطير، في حين أن الضغوطات الموضوعية لعصرنا، ممتزجة ببعضها البعض بطريقة عقلانية للغاية، تحرمنا من كل اكتشاف معاش.

إن الرؤيا مبرمجة بالنسبة إلينا بدقة تقنية عالية، أي من دون التباس أو الغاز، أو إبهام "..".

الأدب، الابن السيء لتربية الأنوار، ألا يكون مهيئا بصفة خاصة لاستحضار اللحظات الأولى لتطور حداثتنا؟ ألا تساعدنا رسائل مونتني "Montaigne" على تحرير العقل من ضيقه الطهراني وعلى تحريره من مجادلاته، مجادلات عجوز عابس؟ ألا يستطيع رجال الأدب أن يعلموا العقل الذي لا يفهم إلا عقلانيا أن القصص والأساطير والخرافات لم تولد خارج الواقع، واقعنا، وإذا هي لا تسكن في مكان ما في الهامش، وهي غير واقعية، وبالتالي هي ليست مطالبة باستحضار العتمات الرجعية؟ وهي، عكس ذلك، ظلت جزءا من واقعنا، وهي لا تزال تتمتع بما يكفي من القوة لكي تمثلنا بشكل واضح "حتى لو تم ذلك بتعبيرات مفرطة ومبالغ فيها" في قلقنا واضطرابنا الوجودي؟ وهي تمثلنا بشكل أفضل من الشكل الذي يمثلنا به العقل الذي أصبح بخيلا في تعابيره، والذي لا يتكلم إلا بكلام المختصين.

بعد نهاية الحرب الكونية الثانية، عندما كنت شابا جاهلا غير أن فضولي كان بلا حدود، مثل أغلب أبناء جيلي انجذبت إلى الوجودية، وإلى تقليعاتها. وقد قرأت للمرة الأولى: "اسطورة سيزيف" لألبير كامو، من دون أن أفهم ما الذي كان يفتنني فيها. واليوم، بعد أن اكتسبت تجارب، وبها امتحنت وبعد أن وسمت بالعمل السياسي الذي يتمثل في دفع الصخرة حتى قمة الجبل أصبح "كامو" بالنسبة لي قريبا جدا. وهو يمسني بأسطورته، أسطورة الصخرة التي تدفع دائما وأبدا نحو القمة، غير أنها لا تريد أن تتوقف. وأنا استحضر العبثية البطولية لسيزيف الذي يسخر من الآلهة ويقبل بالصخرة. وهذه العبثية تزداد تأكدا يوما بعد آخر.

إن الإنسان الذي يسعد بدفع الصخرة نحو القمة، هذه الصورة التي تلخص الأسطورة في بضع كلمات، تعبرعن الوضع بشكل أكثر تعقيدا، وأكثر حسية فوق ذلك من كل ما يمكن أن يقوم به هذا الخليط الغريب العجيب من وسائل الاعلام ومن الانتاج الاجتماعي المفرط.

ومن جديد، لا تكف الجدية القديمة، وتعقيدات الأسطورة المكثفة حد البساطة تمسك بنا، وتجمعنا مرة أخرى، وتتيح التعرف علينا، نحن الذين أصبح يغرينا الذوبان والتلاشي في كمية هائلة ومروعة من الجزئيات الاحصائية. وبنفس الطريقة نحن نتعرف على أنفسنا في الحكاية. ونسمو بأنفسنا في الأساطير أينما عادت بنا الذاكرة الانسانية إلى الوراء. نحن الصدى ونرجس. ونحن نمنح ثلاث أمان. الخبز والنبيذ يعنيان أكثر مما يعنيه الشراب والأكل. نحن نبحث عن "Fontaine Jouvence" الذي يعدنا به الاشهار التلفزيوني. وكل غوليات هو على يقين بأنه سيعثر على داوود.

وحلم كل واحد منا هو: أن يصيد ذات يوم السمكة التي سوف تتحدث إلينا.

كل هذه الأمثلة، التي هي بمثابة طرق يمكن اتباعها، يمكن أن تفهم القراء ان عملي ككاتب، وعلى الأقل هو تحديدا، لا يمكن أن يتحقق من دون القوة الابداعية لأسلوب الحكاية، وهي القوة التي تشكل الأسلوب، وهي تفتح رؤية في واقع آخر، أعني بذلك واقعا يوسع الوجود الانساني. ذلك أنني بهذه الطريقة أفهم الحكايات والأساطير. أفهمها كجزء، أو بالأحرى كخلفية مضاعفة لواقعنا.

ان الأمل "ليس الطفولي فقط" في التمكن من التحليق والطيران، وفي البقاء صغيرا، وفي أن نكون لامرئيين، بل وحتى امتلاك القدرة على توليد الخير أو على التسبب في الأذى من بعيد، من خلال قوة أمنية ما، أو من خلال صوت "مثلا أن نتمنى تهشم بلور النافذة عندما نطلق أصواتنا بالغناء"، وأيضا حتمية القضاء على الزمن. وأن نكون حاضرين في كل لحظة من الماضي أو من المستقبل.. كل هذه التمنيات التي تبدو مغاليا فيها، ليست مع ذلك غير واقعية، أو خارج الواقع. انها تحدّد واقعنا في أحلامنا في اليقظة وفي المنام، وأيضا في لغتنا اليومية التي عادة ما تكون عفوية. من عقب أخيل إلى عقدة أوديب، ومن بلاد "كوكاين" إلى الجنة التي فوق الأرض ومن الثالوث حتى الشياطين السبعة، نحن نعثر مجددا على أجوبة لعالم من الصور ومن الدلالات ومن المعاني التي علينا أن نتقبلها عوض أن ننكرها وننفر منها زاعمين أنها لا عقلانية.

إن الأدب يتغذى ويحيا من الأسطورة. وهو يبتكر أساطير، ويدمّر أساطير أخرى. وفي كل مرة، هو يروي الحقيقة بطريقة أخرى. وذاكرته تمتلئ بكل ما علينا أن نتذكره.

وربما نتمكن ذات يوم، وأتمنى أن يكون هذا اليوم غير بعيد، من أن نفكر من جديد بالصور وبالدلالات ذلك أننا سنسمح لعقلنا بأن يعتقد في الحكاية، وأن يلعب لعبة المهرج مع الأرقام والمعاني، وأن يطلق الحرية للخيال وأن يعترف بأننا إذا ما بقينا أحياء، فإن ذلك يعود إلى قوة الأساطير، حتى لو تم ذلك بمساعدة الأدب.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسال
طباعة
RSS
إعجاب
نشر
نشر في تويتر
اخبار اليمن


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(شبكة أخبار الجنوب)