يمن موبايل تنظم حفل استقبال وتوديع مجلس إدارتها    شركة يمن موبايل توزع عائدات حملة دوائي السادسة للأطفال المرضى بسرطان الدم    برعاية السلطة المحلية البورد العربي يدشن برنامج اعداد المدرب المعتمد في دمت   يمن موبايل تختتم فعاليات اسبوع اليتيم العربي بيوم ترفيهي لطلاب دار الايتام    وزارة الاتصالات تعمم بتطبيق قانون صندوق مكافحة السرطان   بطولة النصر الشتوية بدمت تواصل نألقها والريادة يحصد نتيجة اليوم التاسع للبطوله   مقاضاة مسئولة سابقة بتهمة التخابر مع صنعاء    شركة يمن موبايل تدشن الخطة الإستراتيجية 2019-2023م   لاعب منتخب الطاولة جبران يحرز بطولة البحرين الدولية للناشئين والأشبال    تعيين الاستاذة/ أم كلثوم الشامي مديرا تنفيذيا للمدرسة الديمقراطية   
شبكة أخبار الجنوب - عزيز اليمن

الجمعة, 24-مايو-2013
محمود الهجري - شبكة اخبار الجنوب -
الحكيم الذي ارتطمت روحه الممتلئة بالخير والسلام بجلافة الشر.. الكبير في مختلف المراحل.. ليس صدامياً يواجه نضالتنا المهرولة بهدوئه المعتاد


.. لم يكن عبدالعزيز عبدالغني مستفزاً بما يكفي لأن يقودنا إلى فوضى حرب تستمد لذتها من الطبيعة الصدامية للخصم.. نؤوب بهزائمنا الثقال كل يوم إلى مجالس القات، ونحاول مقاومة الخيبات بتنصيب اعداء يضفون إلى نشوة "القات" نكهات حماسية ونضالية متثائبة.. ننتشي حين نبتكر خصماً صدامياً يحتمل كل تأويلاتنا وعويلنا، ونضع التعب الضخم القابض على رئاتنا والملازم لظهورنا والمقرفص في رؤوسنا على مقربة من هذا اللدود لننطلق بعض ساعات في مساحات نبش مآسينا والمضي السلس في رحلة البحث عن غريم.


.. كم كان عبدالعزيز عبدالغني حكيماً وهو يتملص من المترس الذي سننتشي لبعض الوقت ونحن نوجه رصاصات عبثيتنا صوبه، كم كان بارداً في مواجهة جهنم النضال المحتدمة في دواخلنا.. كم كان صبوراً وهو يرى الخراب في خطواتنا وأصواتنا ومفرداتنا وحتى أحلامنا.. كم كان تائهاً في استفزازاتنا، وغريباً في حضورنا، وثابتاً في صعودنا وهبوطنا وفي تقلباتنا وانتصاراتنا وانكساراتنا.. كم كان ثائراً في صمته وهدوئه ومتوثباً بوقار لتلقف حماقاتنا التي لا تنتهي.


.. عرفته مسؤولاً، وخلت الدولة بدونه بلا فرامل، حاولت تصنيفه غريماً للشعب لتأكيد نضجي وحنكتي النضالية، فباءت هذه المحاولة بالقرف المتصاعد من الإدعاء الذي لفظته روحي في لحظة مصارحة ومكاشفة.


.. كنت أتصور البلاد برمتها فوضى عارمة.. مشهد من مشاهد القيامة.. رصاص .. عصابات.. قطاع الطرق.. جوع.. فرار.. انفجارات.. حرب في كل الأزقة والحواري.. حقد غبي.. ثقب أسود يبتلع السكينة والاستقرار.. فأحاول لملمة هذا الشتات ولا أجد من يساعدني على تجميع أشيائي وأجزائي حاضري ومستقبلي، أبنائي وأصدقائي.. ضحكات الأطفال، دعوات الأمهات.. قلق الآباء.. فأعود إلى استذكار بعض إيجابيات طبعت في ذاكرتي، واستجماع بعض صور الأمل التي مرت في ذاكرتي، ليظهر الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني في شريطها المشحون بالخبرات المؤلمة، فأستطيع النفاذ مما أنا فيه مسنوداً ومدعوماً باعتقاد أن البلاد لا تزال تكتنز من العقلاء ما يجنبها سوداوية وقتامه تصورات تنتجها أذهان لا تميز بين الألوان، وتتناهبها المآسي والأحزان.


.. كان ظهوره في المناسبات على شاشات التلفزة مرتبكاً، يكتفي بما تيسر من مفردات تعبر عن قلقه.. عباراته لا تخلو من إيحاءات عدم الانسجام، لا يبدو منطلقاً وهو يتحدث لعله لم يكن مقتنعاً بسطحية كل ما يحدث ويجري ويمر، وبالتأكيد أنه لم يستسغ رداءات وضحالة وضآلة المتسيدين، فخانته اللغة ولم يحاول استجماعها لاستعراض عضلات قدراته وإمكانياته.. إنه رجل دولة يترجم هذا التصنيف في تصرفاته وسلوكه اليومي.


.. رجل اقتصاد كما سمعت، ورجل سلام أيضاً، عايش العديد من الرؤساء، وخرج من كل التشوهات السياسية والتحولات نقياً هادئاً.
لم يصطدم بالأحزاب، ولا بالسياسيين، وظل كبيراً في مختلف المراحل.
حاول البعض على استحياء وصفه بالسلبي، وتجاوز هذا الوصف بمزيد من الهدوء والحكمة.
لم يرتبط اسمه بأي أعمال بلطجية، كما أنه لم ينهب مال أو أرض أحد، ظل إنساناً وسياسياً مثالياً في زحمة الغوغاء.


.. بالتأكيد أن هدوءه لم يكن استسلاماً لمصلحة.. ربما أنه كان تأملاً طويلاً وإدراكاً عميقاً لما يجري ويعتمل، ومحاولة للخروج من ضيق المفروض، إلى فيض المفترض.
غادرنا تاركاً سؤالاً محيراً.. لماذا رحل بمفرده من بين قوم كثر رشحوا للرحيل؟


.. هل بلغ تأمله منتهاه، وحدد لحظة رحيله.. هل تشبع وامتلأ حياة وغدت حاجته لاستكشاف ما بعد الموت ملحة؟.. هل ارتطمت روحه الممتلئة خيراً وسلاماً بجلافة الشر، ولم يكن أمامها من خيار سوى مبارحة الجسد المتعب والتحليق في فضاءات الله الواسعة؟


.. كما عاش بهدوء، لم يرحل أثناء ضجة الحادثة.. بل تريثت روحه.. وتسربت خلسة موقظة فينا وفي واقعنا المهرول فجوة من الندم، وحاجة ماسة إلى من يشبهه.. رحمة الله تغشاه.


* عن: صحيفة المنتصف- (ملف)
العدد (45): 20 / 5 / 2013م
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسال
طباعة
RSS
إعجاب
نشر
نشر في تويتر
اخبار اليمن


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(شبكة أخبار الجنوب)