يمن موبايل تنظم حفل استقبال وتوديع مجلس إدارتها    شركة يمن موبايل توزع عائدات حملة دوائي السادسة للأطفال المرضى بسرطان الدم    برعاية السلطة المحلية البورد العربي يدشن برنامج اعداد المدرب المعتمد في دمت   يمن موبايل تختتم فعاليات اسبوع اليتيم العربي بيوم ترفيهي لطلاب دار الايتام    وزارة الاتصالات تعمم بتطبيق قانون صندوق مكافحة السرطان   بطولة النصر الشتوية بدمت تواصل نألقها والريادة يحصد نتيجة اليوم التاسع للبطوله   مقاضاة مسئولة سابقة بتهمة التخابر مع صنعاء    شركة يمن موبايل تدشن الخطة الإستراتيجية 2019-2023م   لاعب منتخب الطاولة جبران يحرز بطولة البحرين الدولية للناشئين والأشبال    تعيين الاستاذة/ أم كلثوم الشامي مديرا تنفيذيا للمدرسة الديمقراطية   
الإثنين, 13-مايو-2013
شبكة أخبار الجنوب - د  -  المقالح د - عبدالعزيز المقالح - شبكة اخبار الجنوب -
في عالم صاخب حتى الجنون، وفي واقع لم يعد للكلام فيه أي وظيفة أو هدف، تعالوا نمتدح الصمت ونأوي إليه لعله يمنحنا السكينة والهدوء ويبعث في أعصابنا شيئاً من الأمان المفقود، فضلاً عن أنه سيحررنا ولو مؤقتاً من طغيان الثرثرة و بالأصح الهدوء المتواصل لأجهزة الصخب المقروءة والمسموعة والمرئية على مدى ساعات الليل والنهار.


سأل كاتب أوروبي قديساً هندياً: هل أنت سعيد؟ أخذ الرجل قلماً وورقة وكتب: "أشعر من خلال صمتي بحرية تامة. تلك هي السعادة!!" لم تكن هذه الحكمة مصدر ذهول بالنسبة للكاتب الأوربي وإنما كان مصدر ذهوله الطريقة التي تلقى بها الجواب. علماً بأن هذا القديس لا يمارس الكتابة بدلاً عن الكلام وإنما هي الضرورة التي دفعته إلى استخدام القلم والورقة للرد على السؤال فقط وكأن الكتابة – شأن الكلام نفسه- تنقض فروض الصمت وتخل بالسكون التام وتخلق أصواتاً لا تقل ضجةً واستفزازاً للصمت عن الكلام. ويبدو أننا –وفي هذا الزمن الفاجع بخاصة- أحوج ما نكون إلى صمت هذا القديس الهندي حتى ندرك شيئاً من السعادة التي أفسدها الكلام أولاً وأفسدتها الكتابة ثانياً.


ويخالجني شعور عميق بأن المدينة الفاضلة تلك التي حلم بها كبار الشعراء والمفكرين لابد أن تكون صامتة لتستحق الوصف بالفضيلة ولابد من أن يلتزم أبناؤها بالصمت ليتمكنوا من العمل فالصامتون وحدهم هم الذين يتركون لأعمالهم وحدها أن تتكلم سيما بعد أن جرب سكان المدن غير الفاضلة أن الكلام هو الذي يشغل الإنسان عن العمل العظيم، وهو الذي يتسبب في إضرام حالات النـزاع وزرع الخصومات والأحقاد بين الناس. والتجربة تشير إلى أن الذين عاشوا الحياة السعيدة حقاً هم أولئك الذين عاشوا ليتأملوها لا ليتحدثوا عنها . كما انه يستحيل على الذي يتكلم أن يسمع موسيقى الأرض وأن يتنبه إلى أنين العالم وأوجاعه، وهو لذلك لا يبدو مستعداً لمدّيدِ العون والاندفاع بحثاً عن مصدر هذا الأنين.


وأتوقف هنا لا لكي أعتذر عن امتداح الصمت؛ وإنما لكي أشير إلى أننا بشر ولسنا ملائكة، وأن حاجتنا إلى الماء والغذاء، لا تقل عن حاجتنا إلى التعبير والإفضاء عما تمتلئ به أعماقنا من مشاعر، لكن ما نشهده في حياتنا اليومية من استشراء سطوة الثرثرة، وعلى الإذاعات والشاشات الصغيرة، في الشارع والمقهى والأسواق ومقار العمل كل ذلك يجعلنا نقول من دون مبالغة أن الأمر بلغ حداً لا يطاق وإنه صار على المشتغلين بالكلام المنطوق أو المكتوب أن يخففوا على الأقل من هذه السطوة الصوتية وأن يعيدوا الاعتبار للكلمات، ومن خلال التقليل من استخدامها وأن يكثروا من امتداح تلك الشخصيات التي تتمتع بفضيلة الصمت والتي يصفها العارفون بالاتزان والاقتصاد في القول، لقد امتلأت الأرض كما امتلأ الفضاء بالأصوات التي اختلط بعضها ببعض وصارت تشكل قوة مرعبة من الفوضى لا هدف لها سوى التشويش على حالات التأمل العميق المؤدي إلى الفهم الأعمق ومنه إلى العمل الخلاق.


ولصديقي الدكتور عبد الوهاب المقالح الذي أمضى سنوات في الهند بالقرب من معابد النساك والصامتين عن الكلام . كتاب بديع عن (الصمت كرياضة روحية) ترجمه بتصرف وأحياناً بإضافات مهمة، ومن قراءة هذا الكتاب يبدو لنا وكأن الصمت يكاد يكون في بعض بلدان الشرق عبادة قائمة بذاتها تمنح أتباعها السعادة وتغمرهم بالطهر والنقاء وتحرر أرواحهم من الآثار المباشرة لعالم تزداد فيه الروح الإنسانية رعباً وقلقاً وتتعرض لأشكال غير مسبوقة من التلوث والتدنيس. يبدأ الفصل الثاني من الكتاب بالفقرة الآتية:"ما يفعل النوم لأجسادنا وأجهزتنا العصبية، يفعله الصمت لعقولنا وأرواحنا. كل تشوش واضطراب في أحوالنا المعيشية يرجع إلى نقص التوافق والتنسيق بين كل قوانا الجسمانية والعقلية .


وبدون أن نتعلم كيف نفكر ونعمل بهدوء وثبات، فلن نتمكن من أن نجعل حياتنا حياة منتجة. والتدرب على الصمت هو ذو أهمية بالغة إذ يعيننا على تهدئة البال وإراحة الجسم.. على أي حال، إن الصمت الذي يؤدي إلى رفع الكفاءة وتحسين الأداء ليس صمتاً سلبياً يركن فيه المرء إلى الجلوس من دون أن يفعل شيئاً . الصمت المقصود هنا هو ذلك الصمت الذي يخبَرهُ المرء فقط، عندما يكون كيانه الجسدي والذهني والشعوري متحداً ومتدفقاً جمعيه عبر قناة واحدة في إيقاع وتناغم تامين".


تلك إشارات دالة من كتاب (الصمت) وما من شك في أننا كلنا نجب الكلام، وأحياناً نحب الثرثرة، لكننا في أغلب الحالات نشعر بشوق صوفي إلى الصمت ونميل إلى ساعات وربما أيام من الهدوء. وعلى مدى الدهر القديم والناس يهمسون ولا يصرخون إلاَّ عندما تحدث النوازل وتشتد الحاجة إلى النجدة. أما الآن وبعد اختراع مكبرات الصوت فقد صار الصراخ قاعدة حياتية ولم يعد في مقدور الإنسان –وسط هذا الضجيج أو بالأصح الفحيح- أن يلتقط الالتماعات القليلة تلك التي تتوهج في أصوات المغنين والشعراء الذين ينشدون أشعارهم بصوت هادئ عذب يتسلل إلى الأرواح ولا تقتله الحناجر الصاخبة.


* صفحة, الدكتور عبدالعزيز المقالح, على فيسبوك
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسال
طباعة
RSS
إعجاب
نشر
نشر في تويتر
اخبار اليمن


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(شبكة أخبار الجنوب)