الخميس, 03-مارس-2011
شبكة أخبار الجنوب - د - سعاد السبع د - سعاد سالم السبع - شبكة اخبار الجنوب -

كنتُ أدافع عن الديمقراطية التي تنفسنا هواءها بعد الوحدة المباركة، وكنتُ أرى أن الديمقراطية ستعلمنا كيف نشكل كيانات تتنافس من أجل الوطن، وكيف نحكّم النظام والقانون في أفعالنا، وكيف نتخلّص من عنجهية المتسلطين، وكيف ننسى أنانيتنا، وكيف نؤمن بالمساواة في تكافؤ الفرص، وكيف نتقبل بعضنا، وكيف نتحاور بمنطقية وتحضّر، وكيف نحترم كلمتنا، وكيف نلتزم بمبادئنا، وكيف نفي بوعودنا وكيف نصنع رؤى ترقى بطموحاتنا وبإبداعاتنا.. لكني وجدتُها (ديمخراطية) جعلت الفاسدين يشحذون هممهم وأفكارهم وأموالهم لتمزيق الوحدة الوطنية ولإشعال الفتنة بين الناس، وخبرتها (ديمخراطية) خرطت القوانين لصالح المتنفذين القادرين على استخدام السلطة والوساطة والمال لتشريع أفعالهم الظالمة وتمريرها على رقاب المواطنين، حتى تم تحويل الديمقراطية من ظاهرة تحمي حق المواطن في التعبير عن نفسه، إلى (ديمخراطية) لاستلاب الحقوق الوطنية والإنسانية بمباركة العالم الخارجي بحكوماته ومنظماته المختلفة.
ولذلك لا غرابة إن فهم الشعب أن الديمقراطية جاءت من معنى (قرط يقرط قرطًا وقريطًا) وبخاصة أن كل من لديه القوة يقرط بجميع أسنانه باسم الديمقراطية حتى صار الوطن والمواطن مقروطين باستمرار.
كنت أومن بأن التعددية السياسية ظاهرة صحية تفسح المجال للحرية الفكرية والإبداع، وكنت أعتقد أن الحزبية تتيح الفرصة لظهور برامج ثرية لبناء المجتمع وتطويره، كنت أظن أن التنافس الحزبي سوف يكون من أجل بناء الوطن وتنميته، كنت أتوقع أن تتبارى الأحزاب اليمنية في مجالات التنمية المختلفة، ويظهر كل حزب ليتحدى الآخر بمنجزاته الوطنية لا بما لديه من تبريرات لإخفاقاته وعداواته وعصبياته، كنت أظن أن بلادنا مثل العالم، وأن الأحزاب المتعددة في اليمن معناها نقاشات متعددة وأفكار متجددة ودم جديد دائماً، لكن الواقع أثبت أن الحزب يولد ويتحنط تحت سيطرة فكرة واحدة ويسير بقيادات متعنتة ويمضي بدم راكد لا تحركه حتى مصائب الوطن.
أصبحت أحزابنا منفصلة عن طموحات الشعب تستهلك طاقات الناس في سبيل الغواية وإثارة الفتن، وتعمل من أجل التضليل والاصطياد في الماء العكر، أحزاب ظلت منذ نشأتها بعيدة عن التحديات التنموية، تضع برامج لإنشائها لتحصل على الترخيص والاعتماد ثم لا تنفذ أي شيء مما كتبته، ولم نجد في أنشطتها ما يخرج اليمن من أزماته بل نجد أنشطتها موجّهة لخراب اليمن وتشتيت أبنائه، أحزاب شاخت حين اعتمدت على المحنطين فيها، وتركت الشباب يفترشون العراء في انتظار الانتماء إلى أي بلد غير اليمن يوفر لهم ما يسد حاجاتهم الأساسية، يترقبون الوقت الذي يسقط فيه الكبار من كل الأحزاب ليرتاحوا من فسادهم وتضليلهم.
واليوم بقدر إيماني السابق بالتعددية السياسية أصبحتُ يائسة من صلاحية الحزبية في اليمن ولليمنيين .. الحزبية في اليمن صارت وباءً على الجميع انشغل قادتها بعقدهم النفسية، وبالكذب على الجماهير وصاروا يكرسون كل طاقاتهم للتصارع على الكراسي بعيدا عن مصالح هذا الوطن المغلوب على أمره بالأمية و بالفقر وبالقبلية والمناطقية والطائفية فركدت التنمية وتطورت الخلافات الحزبية حتى صارت فوق احتمال الناس، والواقع يخبرنا أن اليأس من الحزبية والأحزاب وصل إلى الشباب أنفسهم، وكأني أسمع كل شاب يردد قول الشاعر:
بتُّ لا تَخْدعُني أقوالُكُمْ  رغْمِ إتقانِ أداءِ المَسْرحيّهْ
قُدْتُمُ الـنّاسَ إلى هاوِيةٍ  وسرقْتُمْ منْهُمُ حتّى الهُوِيّهْ
ما رَسَمْتُمْ أيَّ خطٍّ واضِحٍ  ما ابتَكَرْتُمْ أيَّ أهْدافٍ جليَّهْ
أنْتُمُ المأْساةُ، أنْتُمْ مَرَضٌ  أتظنُّونَ الجماهيرَ غبيّهْ؟!!
لنْ يدومَ الـزُّورُ فلْـتَحترِسوا      فيدُ الأحرارِ ما زالَتْ قويّهْ
(*) أستاذ المناهج المشارك بكلية التربية ـ جامعة صنعاء
suadyemen@gmail.com


 

تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 14-مايو-2024 الساعة: 07:11 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.alganob.net/g/showdetails.asp?id=5824