الثلاثاء, 28-سبتمبر-2010
شبكة أخبار الجنوب - حسن عبد الوارث حسن عبدالوارث -

عتبتُ على صديق تجاهُله لما يرتديه ولده من ملابس وإكسسوارات تجعله مُتشبِّهاً بالنساء، فدهمني بقوله: "عادي"!! مُبرِّراً ذلك بأنه من تقاليع الشبان وموضات المراهقين، وسيُقلع عنها حين يكبر قليلاً!!
ولفتُّ نظر صاحبي إلى عقارات عديدة وضخمة يملكها موظف حكومي بدرجة "وكيل وزارة"، مشيراً إلى أنها دليل على فساد هذا الموظف، فثمن العقارات يتجاوز مدخول هذا الموظف لثلاثة قرون على الأقل، فجاءني –وفاجأني- تعليقه بمفردة: "عادي"!! مُعلِّلاً أن هناك من أمثاله ما يزيدون على عدد الشعر في رؤوس خنافس البيتلز!!
وأشرتُ -في حضرة زميل- إلى بعض مظاهر الفقر المدقع والعوز الفادح التي تقبع في بعض جنبات العاصمة (صنعاء سابقاً، صلعاء حالياً)، فلم يَردْ مِنه سوى قوله: "عادي"!! مردفاً: لقد رأيتُ في مدينتَيْ "بومباي" و"كولكوتا" -من بلاد الهند- ما هو أفظع من هذه المظاهر وأبشع من تلك المناظر!!
 وذات يوم، حضر الأستاذ -غير اليمني- إلى المدرج الجامعي متأخراً عن موعده عشر دقائق، فبادر في الاعتذار من طلابه –اليمنيين- عن هذا الظرف، ففوجئ بتعليق كورالي جماعي: "عادي يا دكتور"!! ما أثار دهشته قبل غضبه من هذا البرود أو اللامبالاة بقيمة الوقت والالتزام عند طالب الجامعة!!
لقد صرتَ تسمع صفة "العادي" تُطلق على أكثر الأشياء قبحا أو أكثر الأمور شذوذاً، حتى غدوتَ تخال أن كل ما يحدث حولك هو أمور الحياة العادية أو الطبيعية، لا مجال -ثمة- للاستثناء أو لا وجود له على الإطلاق!!
ووجدتُني أعودُ إلى أحد المعلمين الأفذاذ الذين صاغوا جحيمي ونسجوا تيهي في هذه الحياة. إنه برتولد بريشت الذي حذَّر -في مسرحيته "القاعدة والاستثناء"- الناس من أن يُطلقوا على كل شيء صفة "العادي"؛ حتى لا يأتي يوم يصير فيه الاستثناء هو القاعدة!!
Wareth26@hotmail.com


 

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 19-مايو-2024 الساعة: 01:36 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.alganob.net/g/showdetails.asp?id=4269